والصَّحيحُ الذي عليهِ الجُمهورُ هو الأولُ، فإنْ عُقدَتِ البَيعةُ لرَجلَينِ معًا فالبَيعتانِ باطِلتانِ، وإنْ تَرتَّبتَا فالثانيةُ باطِلةٌ، ثم إنْ جَهِلَ الثاني ومُبايِعوهُ بَيعةَ الأولِ لم يُعزَّروا، وإلا فيُعزَّرونَ، ولو عُرِفَ سَبقُ أحَدِهما ولم يَتعينْ أو شكَكْنا في مَعيَّتِهما وتَعاقُبِهما فلْيكَنْ كما سبَقَ في الجُمعتَينِ، ولو سبَقَ أحَدُهما وتَعيَّنَ واشتبهَ وُقِفَ الأمرُ حتى يَظهرَ، فإنْ طالَتِ المُدةُ ولم يَكنِ الانتظارُ فقدْ ذكَرَ الماوَرديُّ أنه تَبطلُ البَيعتانِ وتُستأنَفُ بَيعةٌ لأحَدِهما، وفي جَوازِ العُدولِ إلى غيرِهما خِلافٌ.
قلتُ: الأصَحُّ المَنعُ واللهُ أعلَمُ، قالَ الماوَرديُّ: ولو ادَّعى كلُّ واحِدٍ أنه الأسبَقُ لم تُسمعْ دَعواهُ، ولم يَحلفِ الآخَرُ؛ لأنَّ الحقَّ للمُسلمينَ، ولو قطَعَا التنازُعَ وسلَّمَ أحَدُهما الأمرَ للآخَرِ لم تَثبتِ الإمامةُ له، بل لا بُدَّ مِنْ بيِّنةٍ بسَبقِه، قالَ: ولو أقَرَّ أحَدُهما بسَبقِ صاحبِه خرَجَ منها المقِرُّ، ولا تَثبتُ للآخَرِ إلا ببيِّنةٍ، فإنْ شَهِدَ له المقِرُّ مع آخَرَ قُبلَتْ شَهادتُه إنْ كانَ يَدَّعي اشتباهَ الأمرِ قبلَ الإقرارِ، وإنْ كانَ يَدَّعي التقديمَ لم تُسمعْ؛ للتكاذُبِ في قَوليهِ (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ كَثيرٍ ﵀: فأما نَصبُ إمامَينِ في الأرضِ أو أكثَرَ فلا يَجوزُ؛ لقَولِه ﵊:«مَنْ جاءَكُم وأمرُكُم جَميعٌ يُريدُ أنْ يُفرِّقَ بينَكُم فاقتُلوهُ كائِنًا مَنْ كانَ»، وهذا قَولُ الجُمهورِ، وقد حكَى الإجماعَ على ذلكَ غيرُ واحدٍ، منهُم إمامُ الحَرمينِ.