قالَ أبو عُمرَ: هذا قَولُ عامَّةِ الفُقهاءِ الذين يَرَونَ قتْلَهم واستِتابتَهم، ومنهُم مَنْ يَقولُ:«لا يُتعرَّضُ لهم باستِتابةٍ ولا غيرِها ما استَتَروا ولم يَبغُوا ويُحارِبوا»، وهذا مَذهبُ الشافِعيِّ وأبي حَنيفةَ وأصحابِهما وجُمهورِ أهلِ الفقهِ وكَثيرٍ مِنْ أهلِ الحَديثِ.
قالَ الشافِعيُّ ﵀ في كِتابِ قتالِ أهلِ البغيِ: لو أنَّ قَومًا أظهَرُوا رأيَ الخَوارجِ وتَجنَّبوا جَماعةَ المُسلمينَ وكفَّروهُم لم تَحلَّ بذلكَ دِماؤُهم ولا قِتالُهم؛ لأنهُم على حُرمةِ الإيمانِ، حتى يَصيروا إلى الحالِ التي يَجوزُ فيها قِتالُهم، مِنْ خُروجِهم إلى قِتالِ المسلمينَ وإشهارِهم السلاحَ وامتِناعِهم مِنْ نُفوذِ الحقِّ عليهِم، وقالَ: بلَغَنا «أنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ بينَما هو يَخطبُ إذ سَمعَ تَحكيمًا مِنْ ناحِيةِ المَسجدِ، فقالَ: ما هذا؟ فقيلَ: رَجلٌ يَقولُ: لا حُكمَ إلا للهِ، فقالَ عليٌّ ﵁: كَلمةُ حَقٍّ أُريدَ بها باطِلٌ، لا نَمنعُكم مَساجدَ اللهِ أنْ تَذكُروا فيها اسمَ اللهِ، ولا نَمنعُكم الفَيءَ ما كانَتْ أيدِيكُم مع أيدِينا، ولا نَبدؤُكم بقِتالٍ».
قالَ: وكتَبَ عَديٌّ إلى عُمرَ بنِ عبدِ العَزيزِ أنَّ الخوارِجَ عندَنا يَسبُّونَكَ، فكتَبَ إليه عُمرُ: إنْ سَبُّوني فسُبُّوهم أو اعفُوا عنهم، وإنْ شَهَروا السلاحَ فأشهِرُوا عليهِم، وإنْ ضَرَبوا فاضرِبوا».
قالَ الشافِعيُّ: وبهذا كلِّه نَقولُ، فإنْ قاتَلونَا على ما وصَفْنا قاتَلناهُم، فإنِ انهَزَموا لم نَتبعُهم ولم نُجهِزْ على جَريحِهم.
قالَ أبو عُمرَ: قَولُ مالكٍ في ذلكَ ومَذهبُه عندَ أصحابِه في أنْ لا يُتبعَ مُدبِرٌ مِنْ الفئةِ الباغيةِ ولا يُجهزَ على جَريحٍ كمَذهبِ الشافِعيِّ سواءٌ،