للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي أُمامةَ قالَ: «شَهدْتُ صِفِّينَ فكانُوا لا يُجهِزونَ على جَريحٍ، ولا يَطلبونُ مُولِّيًا، ولا يَسلبونُ قَتيلًا» (١).

ولأنَّ المَقصودَ دَفعُهم، فإذا حصَلَ لم يَجُزْ قَتلُهم كالصائلِ، ولا يُقتلُ لهم أسيرٌ (٢).

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا فيما إذا كانَتْ لهم فِئةٌ يَلجَؤونَ إليها، هل يُجهَزُ على جَريحِهم ويُتبَعُ مُولِّيهم أم لا؟

فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في قَولٍ إلى أنه إذا خِيفَ منهُم أو كانَتْ لهم فِئةٌ يَلجؤونَ إليها فإنه يُذفَّفُ على جَريحِهم ويُتبَعُ مُولِّيهم.

قالَ الحَنفيةُ: إنْ قاتَلَهم الإمامُ وكانَتْ لهم فِئةٌ يَلجَؤونَ إليها أُجهِزَ على جَريحِهم واتُّبعَ مُولِّيهم؛ لئلَّا يَتحيَّزوا إلى الفئةِ فيَمتنِعوا بها فيَكُروا على أهلِ العدلِ.

وأما أسيرُهم فإنْ شاءَ الإمامُ قتَلَه استِئصالًا لشَأفتِهم، وإنْ شاءَ حبَسَه؛ لاندِفاعِ شَرِّه بالأسرِ والحَبسِ، وإنْ رَأى أنْ يُخلِّي عنه فعَلَ، فإنَّ عَليًّا كانَ إذا أخَذَ أسيرًا استَحلَفَه أنْ لا يُعِينَ عليهِ وخَلَّاه، وإنْ رَأى أنْ يَحبسَه حتى يَتوبَ أهلُ البَغيِ فعَلَ، وهو الأحسَنُ؛ لأنه يُؤمَنُ شَرُّه مِنْ غيرِ قَتلٍ.


(١) صَحِيحٌ: رواه الحاكم (٢/ ١٥٥).
(٢) «شرح مختصر خليل» (٨/ ٦١)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٢٧٩)، و «روضة الطالبين» (٦/ ٤٨١)، و «البيان» (١٢/ ٢٢، ٢٣)، و «مغني المحتاج» (٥/ ٤٠٨)، و «نهاية المحتاج» (٧/ ٤٦٩)، و «المغني» (٩/ ٩، ١٠)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٨٢)، و «كشاف القناع» (٦/ ٢٠٨، ٢٠٩)، و «مطالب أولي النهى» (٦/ ٢٦٩)، و «منار السبيل» (٣/ ٣٥٨، ٣٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>