للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم نحوُ أربعةِ آلافٍ لم يَرجِعوا، فعادَ إلى عليِّ بنِ أبي طالبٍ فأخبَرَه، فقالَ لأصحابِه: سِيرُوا على اسمِ اللهِ تعالَى إليهِم، فلنْ يُفلِتَ منهُم عَشرةٌ، ولنْ يُقتلَ منكُم عَشرةٌ، فسارُوا معه إليهِم فقتَلَهم، وأفلَتَ منهُم ثَمانيةٌ، وقُتلَ مِنْ أصحابِ عليٍّ تِسعةٌ، وقالَ: اطلُبوا لي ذا الثَّديَّةِ، فرَأَوه قَتيلًا بينَهُم، فكبَّرَ عليٌّ وقالَ: الحَمدُ للهِ الذي صدَقَ وعْدَ رَسولِه إذ قالَ لي: تُقاتِلُكَ الفئةُ الباغِيةُ فيهم ذُو الثَّديةِ» (١)، فهذهِ سِيرةُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ فيهِم.

فإنْ سألُوا الإنظارَ نظَرَ في حالِهم وبحَثَ في أمرِهم، فإنْ بانَ له أنَّ قصْدَهم الرُّجوعُ إلى الطاعةِ ومَعرفةُ الحقِّ أمهَلَهم، قالَ ابنُ المُنذرِ : أجمَعَ على هذا كلُّ مَنْ أحفَظُ عنهُ مِنْ أهلِ العِلمِ، فإنْ كانَ قَصدُهم الاجتماعَ على قِتالِه وانتِظارَ مَددٍ يَقوَونَ به أو خَديعةَ الإمامِ أو ليَأخُذوهُ على غرَّةٍ ويَفترقَ عَسكرُه لم يُنظِرْهم وعاجَلَهم؛ لأنه لا يَأمنُ أنْ يَصيرَ هذا طَريقًا إلى قَهرِ أهلِ العَدلِ ولا يَجوزُ هذا.

فإذا ثبَتَ أنه يُقدِّمُ قبلَ قِتالِهم سُؤالَهم عن سَببِ بَغيِهم واعتِزالِهم عن الجَماعةِ ثم مُناظَرتَهم في حَلِّ ما اشتَبهَ عليهِم فمتَى أَمِلَ رُجوعَهم إلى الطاعةِ ودُخولَهم في الجَماعةِ بالقَولِ والمُناظَرةِ لم يَتجاوزْه إلى القتالِ، وإنْ يَئِسَ مِنْ رُجوعِهم بعدَ كَشفِ ما اشتَبهَ عليهِم جازَ لإمامِ أهلِ العَدلِ حِينئذٍ قتالُهم ومُحاربتُهم (٢).


(١) صَحِيحٌ: رواه الحاكم (٢٦٥٧)، والبيهقي (١٦٥١٨).
(٢) «الاختيار» (٤/ ١٨٥، ١٨٦)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٤٠، ٣٤١)، و «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٦/ ٢٧٧)، و «الحاوي الكبير» (١٣/ ١٠٢، ١٠٣)، و «المغني» (٩/ ٥، ٦)، و «الكافي» (٤/ ١٤٨)، و «كشاف القناع» (٦/ ٢٠٥، ٢٠٦)، و «منار السبيل» (٣/ ٣٥٧، ٣٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>