للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ: ولأنَّ عَقدَ الذِّمةِ عَقدُ أَمانٍ، فانتَقضَ بالمُخالفةِ من غيرِ شَرطٍ كالهُدنةِ.

قالَ ابنُ القَيمِ : قُلتُ: واحتَجَّ غيرُه من الأَصحابِ بوُجوهٍ أُخَرَ سِوى ما ذكَرَه، منها قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)[التوبة: ٢٩] فلا يَجوزُ الإمساكُ عن قِتالِهم إلا إذا كانُوا صاغِرينَ حالَ إِعطاءِ الجِزيةِ.

والمُرادُ بإِعطاءِ الجِزيةِ مِنْ حين بَذلِها أو التِزامِها إلى حين تَسليمِها وإِقباضِها؛ فإنَّهم إذا بذَلوا الجِزيةَ شرَعُوا في الإِعطاءِ ووجَبَ الكَفُّ عنهم إلى أنْ نَقبِضَها منهم، فمَتى لمْ يَلتزِموها أو التَزَموها وامتنَعوا من تَسليمِها لم يَكونوا مُعطينَ لها، فليسَ المُرادُ أنْ يَكونوا صاغِرينَ حالَ تَناوُلِ الجِزيةِ منهم فقط، ويُفارِقُهم الصَّغارُ فيما عدا هذا الوَقتَ، هذا باطِلٌ قَطعًا.

وإذا عُلمَ هذا، فمَن جاهَرَنا بسَبِّ اللهِ ورَسولِه وإكراهِ حَريمِنا على الزِّنا وتَحريقِ جَوامِعِنا ودُورِنا ورَفعِ الصَّليبِ فوقَ رُؤوسِنا، فليسَ معه من الصَّغارِ شَيءٌ، فيَجبُ قِتالُه بنَصِّ الآيةِ حتى يَصيرَ صاغِرًا.

فإنْ قيلَ: فالمَأمورُ به القِتالُ إلى هذه الغايةِ، فمِن أينَ لكم القَتلُ المَقدورُ عليه؟

<<  <  ج: ص:  >  >>