للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يَكنْ هذا نَقضًا للعَهدِ يُحِلُّ دَمَه، ولا يَكونُ النَّقضُ للعَهدِ إلا بمَنعِ الجِزيةِ، أو الحُكمِ بعدَ الإقرارِ والامتِناعِ بذلك (١).

وقالَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ: وإنْ تَعدَّى على مُسلمٍ بقَتلٍ أو قَذفٍ أو زِنًا أو قَطعِ طَريقٍ أو تَجسُّسٍ أو إيواءِ جاسوسٍ، أو ذكَرَ اللهَ تَعالى أو كِتابَه أو رَسولَه بسُوءٍ، وكذلك لو فتَنَ مُسلمًا عن دِينِه، أو أَصابَ مُسلِمةً باسمِ نِكاحٍ ونَحوِ ذلك، فعلى رِوايتَينِ:

إحداهُما: يُنتقَضُ عَهدُه بذلك مُطلَقًا في غيرِ القَذفِ، وهو المَذهبُ، سَواءٌ شُرطَ عليه أو لا، (وهو وَجهٌ عندَ الشافِعيةِ).

والرِّوايةُ الثانِيةُ: لا يُنتقَضُ عَهدُه بذلك، ما لم يُشترطْ عليه؛ لكنْ يُقامُ عليه الحَدُّ فيما يُوجِبُه، ويُقتَصُّ منه فيما يُوجِبُ القِصاصَ، ويُعزَّرُ فيما سِوى ذلك بما يُكَفُّ به أَمثالُه عن فِعلِه، وأمَّا القَذفُ: فالمَذهبُ أنَّه لا يُنقَضُ عَهدُه به (٢).

قالَ القاضي في «التَّعليقِ»: والدِّلالةُ على أنَّ نقْضَ العَهدِ يَحصُلُ بهذه الأَشياءِ وإنْ لم يَشتَرطْه في عَقدِ الذِّمةِ، أنَّ الإمامَ يَقتَضي الكَفَّ عن الإِضرارِ، وفي هذه الأَشياءِ إِضرارٌ، فيَجبُ أنْ يُنتقَضَ العَهدُ بفِعلِها كما لو شُرطَ ذلك في عَقدِ الأَمانِ.


(١) «الأم» (٤/ ١٨٨).
(٢) «الأحكام السلطانية» لأبي يعلى ص (١٤٣ - ١٤٥)، و «المغني» لابن قدامة (١٢/ ٧١٢)، و «كشاف القناع» (٣/ ١٤٣)، و «الإنصاف» (٤/ ٢٥٢، ٢٥٣)، و «أحكام أهل الذمة» (٢/ ٢٠٥، ٢٠٩)، و «المبدع» (٣/ ٤٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>