للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا في غيرِها من المُدنِ والقُرى في دارِ الإسلامِ، فيَجوزُ لأهلِ الذِّمةِ أنْ يَسكنوا فيها مع المُسلِمينَ أو مُنفرِدين، لكنْ ليسَ لهم رَفعُ بِنائِهم على المُسلِمينَ بقَصدِ التَّعالي، وإذا لزِمَ من سُكناهم في المِصرِ بينَ المُسلِمينَ تَقليلُ الجَماعةِ أُمِروا بالسُّكنى في ناحيةٍ -في خارجِ المِصرِ- ليسَ فيها جَماعةُ المُسلِمينَ، إذا ظهَرَت المَصلحةُ في ذلك (١).

وأمَّا حقُّ التَّنقُّلِ: فيَتمتَّعُ أهلُ الذِّمةِ به في دارِ الإسلامِ أينما يَشاؤونَ للتِّجارةِ وغيرِها، إلا أنَّ في دُخولِهم مَكةَ والمَدينةَ وأرضَ الحِجازِ؛ فإنَّ العُلماءَ قد اختلَفوا في ذلك.

فذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ، وهو قَولٌ عندَ المالِكيةِ إلى مَنعِ دُخولِ الكُفارِ إلى الحَرمِ مُطلَقًا؛ لعُمومِ الآيةِ السابِقةِ.

فإنْ أرادَ كافِرٌ الدُّخولَ إلى الحَرمِ مُنِع منه؛ فإنْ كانَت معه مِيَرةٌ أو تِجارةٌ خرَجَ إليه مَنْ يَشتَري منه، ولمْ يُترَكْ هو يَدخلُ، وإنْ كانَ رَسولًا إلى إمامٍ بالحَرمِ خرَجَ إليه من يَسمَعُ رِسالتَه ويُبلِّغُها إياه؛ فإنْ قالَ: لا بدَّ لي من لقاءِ الإمامِ، وكانَت المَصلحةُ في ذلك خرَجَ إليه الإمامُ، ولمْ يأذَنْ له بالدُّخولِ.

وإذا أراد مُشرِكٌ دُخولَ الحَرمِ ليسَلِمَ فيه مُنِع منه حتى يُسلِمَ قَبلُ (٢).


(١) «ابن عابدين» (٣/ ٢٧٥، ٢٧٦)، و «الأحكام السلطانية» للماوردي (١٤٥، ١٦٨)، وأبي يعلى ص (١٤٣)، و «المغني» (١٢/ ٧٠١)، و «جواهر الإكليل» (١/ ٢٦٧)، و «كشاف القناع» (٣/ ١٣٦).
(٢) «أحكام القرآن» لابن العربي (٢/ ٤٦٩)، و «تفسير القرطبي» (٨/ ١٠٤)، و «شرح ابن بطال» (٢/ ١٨)، و «الأحكام السلطانية» للماوردي ص (١٨٨)، ولأبي يعلى ص (١٩٥)، و «أحكام أهل الذمة» (١/ ١٤١) وما بعدها، و «المغني» (١٢/ ٧٠٣)، و «الكافي» (٤/ ٣٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>