فإنْ قيلَ: الباني في مِلكِ الغيرِ بغيرِ إذنِه لا يَملِكُ الاستِدامةَ فلا يَملِكُ التَّجديدَ، وهؤلاء يَملِكونَ الاستِدامةَ فملَكوا التَّجديدَ.
قيلَ: لا يَلزمُ هذا؛ فإنَّه لو أعارَه حائِطًا لوَضْعِ خَشبةٍ عليه جاز له استِدامةُ ذلك، فلو انهدَمَ الحائِطُ فبَناه صاحِبُه لم يَملِكِ المُستعيرُ تَجديدَ المَنفعةِ.
وكذلك لو ملَكَ الذِّميُّ دارًا عاليةَ البُنيانِ جاز له أنْ يَستديمَ ذلك، فلو انهدَمَت فأرادَ بِناءَها لم يَكنْ له أنْ يَبنيَها على ما كانَت عليه، بل يُساويَ بها بُنيانَ جِيرانِه من المُسلِمينَ أو يَحُطَّها عنه.
وأيضًا: لو فتَحَ الإمامُ بَلدًا في بِيعةٍ خَرابٍ لم يَجزْ له بِناؤُها بعدَ الفَتحِ كذلك ههنا.
وأيضًا: فإنَّه إذا انهدَمَ جَميعُها زال الاسمُ عنها؛ ولِهذا لو حلَفَ لا دَخلتُ دارًا، فانهدَمَت جَميعُها ودخَلَ بَراحَها لم يَحنَثْ لزَوالِ الاسمِ.
فلو قُلنا: يَجوزُ بِناؤُها إذا انهدَمَت كانَ فيه إحداثُ بِيعةٍ في دارِ الإسلامِ، وهذا لا يَجوزُ كما لو لمْ يَكنْ هناك بِيعةٌ أَصلًا.
قالَ المُجوِّزونَ -وهُم أصحابُ أبي حَنيفةَ والشافِعيِّ، وكَثيرٌ من أَصحابِ مالِكٍ وبَعضُ أصحابِ أحمدَ-: لمَّا أقرَرْناهم عليها تَضمَّنَ إِقرارُنا لهم جَوازَ رَمِّها وإِصلاحِها وتَجديدِ ما خرِبَ منها، وإلا بطَلَت رَأسًا؛ لأنَّ البِناءَ لا يَبقى أبدًا، فلو لمْ يَجزْ تَمكينُهم من ذلك لم يَجزْ إقرارُها.