للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُهما -وهو قَولُ أبي سَعيدٍ الإصطَخريِّ وأبي عليِّ بنِ أبي هُريرةَ: أنَّه لا يَجوزُ؛ لما رَوى كَثيرُ بنُ مُرةَ قالَ: سَمِعتُ عُمرَ بنَ الخَطابِ يَقولُ: قالَ رَسولُ اللهِ : «لا تُبنَى كَنيسةٌ في الإسلامِ ولا يُجدَّدُ ما خُرِّب منها» (١)، ورَوى عبدُ الرَّحمنِ بنُ غُنمٍ في كِتابِ عُمرَ بنِ الخَطابِ على نَصارى الشامِ (ولا يُجدَّدُ ما خُرِّبَ منها) (٢)، ولأنَّه بِناءُ كَنيسةٍ في دارِ الإسلامِ فمُنعَ منه، كما لو بَناها في مَوضعٍ آخَرَ.

والثاني: أنَّه يَجوزُ؛ لأنَّه لمَّا جازَ تَشييدُ ما تَشعَّث منها جاز إعادةُ ما انهدَمَ، وإنْ عُقدَت الذِّمةُ في بَلدٍ لهم يَنفرِدونَ به لم يُمنَعوا من إحداثِ الكَنائسِ والبِيَعِ والصَّوامعِ ولا مِنْ إعادةِ ما خُرِّب منها (٣).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : وكلُّ مَوضعٍ قُلنا فيه: يَجوزُ إقرارُها، لم يَجزْ هَدمُها، ولهم رَمُّ ما تَشعَّث منها وإِصلاحُها؛ لأنَّ المَنعَ من ذلك يُفضي إلى خَرابِها وذَهابِها فجَرى مَجرى هَدمِها، وإنْ وقَعَت كلُّها لم يَجزْ بِناؤُها، وهو قَولُ بعضِ أصحابِ الشافِعيِّ، وعن أحمدَ أنَّه يَجوزُ، وهو قَولُ أبي حَنيفةَ والشافِعيِّ؛ لأنَّه بِناءٌ لما استُهدِمَ فأشبَه بِناءَ بَعضِها إذا انهدَمَ ورُمَّ شَعثُها، ولأنَّ استَدامَتها جائِزةٌ وبِناءَها كاستِدامتِها، وحمَلَ الخَلَّالُ قَولَ أحمدَ لهم أنَ يَبنوا ما انهدَم منها، أي: إذا انهدَمَ بَعضُها ومنَعه من بِناءِ ما انهدَمَ على ما إذا ما انهدَمَت كلُّها فجمَع بينَ الرِّوايتَينِ.


(١) ضَعِيفٌ جدًّا: تقدم.
(٢) حَدِيثٌ حَسَنٌ: تَقدَّمَ.
(٣) «المهذب» (٢/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>