للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاشتَدَّ ذلك عليه وعلى المُسلِمينَ؛ فكتَبَ أبو عُبيدةَ إلى كلِّ والٍ ممَّن خَلفَه في المُدنِ التي صالَحَ أهلَها يأمُرُهم أنْ يَرُدُّوا عليهم ما جُبِي منهم من الجِزيةِ والخَراجِ، وكتَبَ إليهم أنْ يَقولوا لهم: «إنَّما رَدَدنا عليكم أموالَكم لأنَّه قد بلَغَنا ما جُمِع لنا من الجُموعِ، وأنَّكم اشتَرطتُم علينا أنْ نَمنعَكم، وإنَّا لا نَقدِرُ على ذلك، وقد رَدَدنا عليكم ما أخَذنا منكم، ونحن لكم على الشَّرطِ وما كَتَبنا بينَنا وبينَكم إنْ نصَرنا اللهُ عليهم» فلمَّا قالُوا ذلك لهم ورَدُّوا عليهم الأموالَ التي جَبَوْها منهم، قالُوا: (رَدَّكم اللهُ علينا، ونصَركم عليهم، فلو كانُوا هُمْ لم يَردُّوا علينا شَيئًا وأخَذوا كلَّ شَيءٍ بَقي لنا حتى لا يَدعوا لنا شَيئًا) وإنَّما كانَ أبو عُبيدةَ يُجيبُهم إلى الصُّلحِ على هذه الشَّرائطِ ويُعطيهم ما سأَلوا، يُريدُ بذلك تألُّفَهم، وليسَمعَ بهم غيرُهم من أهلِ المُدنِ التي لم يَطلُبْ أهلُها الصُّلحَ فيُسارِعوا إلى طَلبِ الصُّلحِ.

والتَقى المُسلِمونَ والمُشرِكونَ فاقتَتلوا قِتالًا شَديدًا، وقُتلَ من الفَريقَينِ خَلقٌ كَثيرٌ، ثم نصَر اللهُ المُسلِمينَ على المُشرِكينَ ومنَحَ أكتافَهم وهزَمَهم وقتَلَهم المُسلِمونَ قَتلًا لمْ يَرَ المُشرِكونَ مِثلَه.

فلمَّا رَأى أهلُ المُدنِ التي لمْ يُصالِحْ عليها أبو عُبيدةَ ما لقي أصحابُهم من المُشرِكينَ من القَتلِ، بعَثوا إلى أبي عُبيدةَ يَطلُبون الصُّلحَ فأعطاهم الصُّلحَ على مِثلِ ما أعطى الأوَّلينَ، إلا أنَّهم اشتَرَطوا عليه إنْ كانَ عندَهم من الرُّومِ الذين جاؤُوا لقتالِ المُسلِمينَ وصاروا عندَهم؛ فإنَّهم آمِنونَ يَخرُجونَ بمَتاعِهم وأَموالِهم وأَهلِهم إلى الرُّومِ ولا يُتعرَّضُ لهم في شَيءٍ من ذلك؛ فأَعطاهم ذلك أبو عُبيدةَ فأدَّوا إليه الجِزيةَ وفتَحُوا له أبوابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>