للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُصلِّيها بَعضَ الأوقاتِ؛ لِفَضلِها، ويترُكُها في بعضِها؛ خَشيةَ أن تُفرَضَ، كما ذكرَته عائِشةُ، ويُتأَوَّلُ قولُها: «مَا كانَ يُصلِّيها إلا أن يَجيءَ مِنْ مَغِيبِه»، على أنَّ مَعناه: ما رَأَيتُه، كما قالَت في الرِّوايةِ الثَّانيةِ: «ما رَأَيتُ رَسولَ اللهِ يُصلِّي سُبحَةَ الضُّحَى»؛ وسَببُه أنَّ النَّبيَّ ما كان يَكونُ عندَ عائِشةَ في وقتِ الضُّحَى إلا في نادِرٍ مِنْ الأوقاتِ، فإِنَّه قد يَكونُ في ذلك مُسافِرًا، وقد يَكونُ حاضِرًا، ولكنَّه في المَسجدِ أو في مَوضِعٍ آخرَ، وإذا كانَ عندَ نِسائِهِ، فإنَّما كانَ لها يَومٌ مِنْ تِسعةٍ؛ فيَصحُّ قولُها: ما رَأيتُه يُصلِّيها، وتَكونُ قد علِمت بخَبرِه، أو خَبرِ غيرِه أَنَّه صلَّاها. أو يُقالُ: قولُها: مَا كانَ يُصلِّيها: أي: ما يُداوِمُ عليها؛ فيَكونُ نَفيًا لِلمُداوَمةِ، لا لِأصلِها، واللهُ أعلَمُ.

وأمَّا ما صحَّ عن ابنِ عمرَ أَنَّه قالَ في الضُّحَى: هي بِدعَةٌ؛ فمَحمولٌ على أنَّ صَلاتَها في المَسجدِ، والتَّظاهُرَ، بها كما كانوا يَفعلونَه، بِدعَةٌ، لا أنَّ أصلَها في البُيوتِ ونحوِها مَذمومٌ، أو يُقالُ: قولُه: بِدعةٌ، أي: المُواظَبةُ عليها؛ لأنَّ النَّبيَّ لم يُواظِب عليها؛ خَشيةَ أن تُفرَضَ، وهذا مِنْ حقِّهِ ، وقد ثَبت استِحبابُ المُحافَظةِ في حقِّنا بحَديثِ أبي الدَّرداءِ وأبي ذَرٍّ، أو يُقالُ: إنَّ ابنَ عمرَ لم يَبلُغه فِعلُ النَّبيِّ الضُّحَى، وأمرُه بها، وكيفَ كان، فجُمهورُ العُلماءِ على استِحبابِ الضُّحَى، وإنَّما نُقِلَ التَّوَقُّفُ فيها عن ابنِ مَسعودٍ وابنِ عمرَ، واللهُ أعلَمُ (١).


(١) «شَرح صَحيح مُسلم» (٥/ ٢٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>