على المُسلِمينَ أصلًا، ولا يُخالِطونهم في دُنياهم، ولكنْ يَكتفي أحدُهم بقَدرِ ما يَتبلَّغُ به، فتنازَعَ العُلماءُ في قَتلِهم كتَنازُعِهم في قَتلِ مَنْ لا يَضُرُّ المُسلِمينَ لا بيَدِه ولا بلِسانِه كالأَعمى والزَّمِنِ والشَّيخِ الكَبيرِ ونَحوِه كالنِّساءِ والصِّبيانِ.
فالجُمهورُ يَقولونَ: لا يُقتَلُ إلا مَنْ كانَ من المُعاوِنينَ لهم على القِتالِ في الجُملةِ وإلا كانَ كالنِّساءِ والصِّبيانِ.
ومنهم مَنْ يَقولُ: بل مُجرَّدُ الكُفرِ هو المُبيحُ للقَتلِ، وإنَّما استُثني النِّساءُ والصِّبيانُ لأنَّهم أموالٌ، وعلى هذا الأصلِ يَنبَني أخذُ الجِزيةِ.
وأمَّا الراهِبُ الذي يُعاوِنُ أهلَ دِينِه بيَدِه ولِسانِه مِثلَ أنْ يَكونَ له رأيٌ يَرجِعونَ إليه في القِتالِ، أو نَوعٌ من التَّحضيضِ، فهذا يُقتَل باتِّفاقِ العُلماءِ إذا قُدِر عليه، وتُؤخذُ منه الجِزيةُ وإنْ كانَ حَبيسًا مُنفرِدًا في مُتعبَّدِه، فكيف بمَن هُمْ كسائرِ النَّصارى في مَعايشِهم ومُخالطتِهم الناسَ واكتِسابِ الأموالِ بالتِّجاراتِ والزِّراعاتِ والصِّناعاتِ واتِّخاذِ الدِّياراتِ الجامِعاتِ لغيرِهم، وإنَّما تَميَّزوا على غيرِهم بما يُغلِّظُ كُفرَهم ويَجعلُهم أئِمةً في الكُفرِ مِثلَ التَّعبُّدِ بالنَّجاساتِ وتَركِ النِّكاحِ واللَّحمِ واللِّباسِ الذي هو شِعارُ الكُفرِ، لا سيَّما وهُم الذين يُقيمونَ دِينَ النَّصارى بما يُظهِرونه من الحِيَلِ الباطِلةِ التي صنَّفَ الفُضلاءُ فيها مُصنَّفاتٍ، ومِن العِباداتِ الفاسِدةِ وقَبولِ نُذورِهم وأَوقافِهم.