للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن سُلَيمِ بنِ عامِرٍ قالَ: كانَ بينَ مُعاويةَ وبينَ الرُّومِ عَهدٌ، وكانَ يَسيرُ نَحوَ بِلادِهم حتى إذا انقَضى العَهدُ غَزاهم، فجاءَ رَجلٌ على فَرسٍ أو بِرذَونٍ وهو يَقولُ: اللهُ أكبَرُ اللهُ أكبَرُ، وَفاءٌ لا غَدرٌ. فنظَروا فإذا عَمرُو بنُ عَبَسةَ. فأرسَلَ إليه مُعاويةُ فسَألَه، فقالَ: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ يَقولُ: «مَنْ كانَ بَينَه وبَينَ قَومٍ عَهدٌ فلا يَشُدَّ عُقدةً ولا يَحُلَّها حتى يَنقَضيَ أمَدُها أو يَنبِذَ إليهم على سَواءٍ» فرجَعَ مُعاويةُ (١).

وإذا عَقَد الإمامُ الهُدنةَ، ثم ماتَ أو عُزِل، ثم وَلي إمامٌ بعدَه وجَبَ عليه الوَفاءُ بما عقَده الإمامُ قَبلَه؛ لما رُوِيَ: أنَّ نَصارى نَجرانَ قالُوا لعَليٍّ : إنَّ الكِتابَ بيَدَيْك، والشَّفاعةَ إليكَ، وإنَّ عُمرَ قد أجْلَانا من أرضِنا، فرُدَّنا إليها، فقالَ علِيٌّ: «إنَّ عُمرَ كانَ رَشيدًا في أمرِه، وإنِّي لا أُغيِّرُ أمرًا فعَلَه عُمرُ».

ولأنَّ الأولَ فعَلَه باجتِهادِه، فلم يَجزْ لمَن بعدَه نَقضُه باجتِهادِه كما لا يَنقُضُ حاكِمٌ حُكمَ غيرِه باجتِهادِه لكنْ إذا رأى الإمامُ الثانِي العَقدَ فاسِدًا؛ فإنْ كانَ فَسادُه بطَريقِ الاجتِهادِ لم يَفسَخْه، وإنْ كانَ بنَصٍّ أو إجماعٍ فسَخَه (٢).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٧٥٩)، والإمام أحمد (١٧٠٥٦)، والترمذي (١٥٨٠)، والنسائي في «الكبرى» (٨٧٣٢).
(٢) «الشرح الكبير» (٢/ ٥٢٨)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ١٥١)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٥١٧)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٤٥٩)، و «البيان» (١٢/ ٣١٢، ٣١٣)، و «روضة الطالبين» (٧/ ٥٤)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٩٧)، و «النجم الوهاج» (٩/ ٤٤٢)، و «كنز الراغبين» (٤/ ٥٨٥)، و «المغني» (٩/ ٢٣٩)، و «المبدع» (٣/ ٤٠٠)، و «الإنصاف» (٤/ ٢١٢)، و «كشاف القناع» (٣/ ١٢٧)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٨٥)، و «مطالب أولي النهى» (٢/ ٥٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>