وكذلك إذا كانَ النَّبذُ من جِهَتِهم بأنْ أرسَلوا إلينا رَسولًا بالنَّبذِ وأخبَروا الإمامَ بذلك فلا بأسَ للمُسلِمينَ أنْ يَغزوا عليهم لما قُلنا إلا إذا استَيقَن المُسلِمونَ أنَّ أهلَ ناحيةٍ منهم لم يَعلَموا بذلك لما بيَّنَّا.
ولو وادَعَ الإمامُ على جُعلٍ أخَذَه منهم ثم بَدا له أنْ يَنقُضَ فلا بأسَ به لما بيَّنَّا أنَّه عَقدٌ غيرُ لازِمٍ فكانَ مُحتمِلًا للنَّقضِ ولكنْ يَبعَثَ إليهم بحِصةِ ما بَقيَ من المُدةِ من الجُعلِ الذي أخَذَه؛ لأنَّهم إنَّما أعطَوْه ذلك بمُقابَلةِ الأمانِ في كلِّ المُدةِ فإذا فاتَ بَعضُها لزِمَ الرَّدُّ بقَدْرِ الفائِتِ.
هذا إذا وقَعَ الصُّلحُ على أنْ يَكونوا مُستَبقِينَ أحكامَ الكُفرِ، فأمَّا إذا وقَعَ الصُّلحُ على أنَّه يَجري عليهم أحكامُ الإسلامِ فهو لازِمٌ لا يَحتمِلُ النقضَ؛ لأنَّ الصُّلحَ الواقِعَ على هذا الوَجهِ عَقدُ ذِمةٍ فلا يَجوزُ للإمامِ أنْ يَنبِذَ إليهم (١).
وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه إذا تمَّ عَقدُ الهُدنةِ ولم يَنبِذْه الكُفارُ ولم يُشترطْ فيه شَرطٌ مُبطِلٌ له أنَّه يَلزمُ إمامَ المُسلِمينَ أنْ يُوَفِّيَ لهم بعَهدِهم إلى انقِضاءِ مُدَّتِها.
(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٠٩)، و «المبسوط» (١٠/ ٨٦)، و «الهداية» (٢/ ١٣٨)، و «شرح فتح القدير» (٥/ ٤٥٧)، و «الاختيار» (٤/ ١٤٦)، و «البحر الرائق» (٥/ ٨٦)، و «مجمع الأنهر» (٢/ ٤١٧)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٣٥٠)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٢٦٤، ٢٦٥).