وذهَبَ الشافِعيةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَجوزُ عَقدُ الهُدنةِ على رَدِّ مَنْ جاءَ من المُسلِمينَ منهم إلينا، ممَّن لا عَشيرةَ له تَمنَعُ عنه. ويَجوزُ عَقدُها على رَدِّ مَنْ جاءَ من المُسلِمينَ منهم إلينا، ممَّن له عَشيرةٌ تَمنَعُ عنه؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ(رَدَّ أبا جَندَلٍ على أبيه سُهَيلِ بنِ عَمرٍو) والمَعنى فيه أنَّهم يَذبُّونَ عنه ويَحمُونَه ولا يَجوزُ رَدُّه إلى غيرِ عَشيرَتِه إذا طلَبَه ذلك الغيرُ؛ لأنَّهم يُؤذونَه إلا أنْ يَقدِرَ المَطلوبُ على قَهرِ الطالِبِ له والهَرَبِ منه فيُرَدُّ إليه حينَئذٍ، وعليه حُملَ (رَدُّ النَّبيِّ ﷺ أبا بَصيرٍ لمَّا جاءَ في طَلبِه رَجلانِ فقتَلَ أحدَهما في الطَّريقِ وأفلَتَ الآخَرُ) أمَّا إذا لم يُطلَبْ أحَدٌ أو لم يُشترطْ فلا يَجبُ الرَّدُّ مُطلَقًا، ومَعنى الرَّدِّ أنْ يُخلَّى بَينَه وبَينَ طالِبِه عَملًا بقَضيةِ الشَّرطِ ولا يُجبَرُ المَطلوبُ على الرُّجوعِ إلى طالِبِه؛ لأنَّ إجبارَ المُسلِمِ على الإقامةِ بدارِ الحَربِ لا يَجوزُ، وعلى هذا حُمِل رَدُّ النَّبيِّ ﷺ أبا بَصيرٍ وأبا جَندَلٍ، ولا يَلزمُ المَطلوبَ الرُّجوعُ إليه؛ لأنَّ العَهدَ لم يَجْرِ معه، ولِهذا لم يُنكِرِ النَّبيُّ ﷺ امتِناعَه ولا قَتلَه طالِبَه بل سَرَّه ما فعَل، ولو كانَ واجِبًا لأمرِه بالرُّجوعِ إلى مَكةَ، وله قَتلُ الطالِبِ دَفعًا عن نَفسِه ودِينِه لقِصةِ أبي بَصيرٍ. ولنا التَّعريضُ له بقَتلِ طالِبِه ولو بحَضرةِ طالِبِه؛ لأنَّ عُمرَ ﵁ قالَ لأبي جَندَلٍ حينَ رُدَّ إلى أبيه:«اصبِرْ أبا جَندَلٍ؛ فإنَّما هُمْ المُشرِكونَ وإنَّما دَمُ أحَدِهم كدَمِ كَلبٍ، يُعرِّضُ له بقَتلِ أبيه» لا وليسَ لنا التَّصريحُ له به، فلا يَجوزُ؛ لأنَّهم في أمانٍ، نَعمْ لو أسلَمَ واحِدٌ منهم بعدَ عَقدِ الهُدنةِ له أنْ يُصرِّحَ بذلك؛ لأنَّه لم يشتَرِطْ على نَفسِه أمانًا لهم ولا تَناوَله شَرطٌ.