للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنفيةُ: ولا بأسَ أنْ يَطلُبَ المُسلِمونَ الصُّلحَ من الكَفَرةِ ويُعطُوا على ذلك مالًا إذا اضطُرُّوا إليه؛ لقَولِه : ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾ [الأنفال: ٦١] أباحَ لنا الصُّلحَ مُطلَقًا فيَجوزُ ببَدلٍ أو غيرِ بَدلٍ، ولأنَّ الصُّلحَ على مالٍ لدَفعِ شَرِّ الكَفرةِ للحالِ والاستِعدادِ للقِتالِ في الثانِي مِنْ بابِ المُجاهَدةِ بالمالِ والنَّفسِ فيَكونُ جائِزًا.

ولا يَجوزُ هذا إلا عندَ الضَّرورةِ، وهي خَوفُ الهَلاكِ؛ لأنَّ دَفعَ الهَلاكِ واجِبٌ بأيِّ طَريقٍ كانَ؛ فإنَّه إذا لم يَكنْ بالمُسلِمينَ قُوةٌ ظهَرَ عليهم عَدُوُّهم فأخَذَ الأنفُسَ والأموالَ، وإنْ لم يَكنْ ضَرورةٌ لا يَجوزُ لما فيه مِنْ إلحاقِ الذِّلةِ بالمُسلِمينَ وإعطاءِ الدَّنيةِ: أي: الضَّعةِ في الدِّينِ (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: لا يَجوزُ أنْ نُصالِحَهم على مالٍ نَبذُلُه لهم في غيرِ حالِ الضَّرورةِ؛ لأنَّ فيه صَغارًا للمُسلِمينَ. فأمَّا إنْ دعَت إليه ضَرورةٌ وهو أنْ يُخافَ على المُسلِمينَ الهَلاكُ أو الأسْرُ فيَجوزُ؛ لأنَّه يَجوزُ للأَسيرِ فِداءُ نَفسِه بالمالِ، فكذا ههنا، ولأنَّ بَذلَه المالَ إنْ كانَ فيه صَغارٌ؛ فإنَّه يَجوزُ تَحمُّلُه لدَفعِ صَغارٍ أعظَمَ منه، وهو القَتلُ، والأسْرُ وسَبيُ الذُّرِّيةِ الذين يُفضي سَبيُهم إلى كُفرِهم، وقد رَوى عبدُ الرَّزَّاقِ في المَغازي عن مَعمَرٍ عن الزُّهريِّ قالَ: أرسَلَ النَّبيُّ إلى عُيَينةَ بنِ حِصنٍ وهو مع أبي سُفيانَ يَعني يَومَ الأحزابِ: «أرأيتَ إنْ جَعَلتُ لكَ ثُلثَ تَمرِ الأنصارِ أتَرجعُ


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٠٨)، و «الاختيار» (٤/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>