للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَدلِ؛ لأنَّ الوَفاءَ بالأمانِ واجِبٌ، فقد كانَ رَسولُ اللهِ يَكتُبُ في كلِّ عَهدٍ وَفاءً لا غَدرَ فيه، وإذا كانَ المَنعُ لأهلِ العَدلِ يَختصُّ بذلك المحَلِّ حتى يَجوزَ أنْ يُقاتِلَ معهم قَومًا آخَرينَ من أهلِ الحَربِ ممَّن لم يُؤمِّنوهم؛ لأنَّه ليسَ في هذا القِتالِ مَعنى الغَدرِ، بل فيه إظهارُ الإسلامِ. ولو قالَ أهلُ الحَربِ لأُسَراءَ فيهم: «قاتِلوا معنا عَدوَّنا من المُشرِكينَ»، وهم لا يَخافونَهم على أنفُسِهم إنْ لم يَفعَلوا فليسَ يَنبَغي أنْ يُقاتِلوهم معهم؛ لأنَّ في هذا القِتالِ إظهارَ الشِّركِ، ولأنَّ المُقاتِلَ يُخاطِرُ بنَفسِه فلا رُخصةَ في ذلك إلا على قَصدِ إعزازِ الدِّينِ، أو الدَّفعِ عن نَفسِه. فإذا كانُوا يَخافونَ أولئك الآخَرينَ على أنفُسِهم فلا بأسَ بأنْ يُقاتِلوهم؛ لأنَّهم يَدفَعون الآنَ شَرَّ القَتلِ عن أنفُسِهم؛ فإنَّهم يَأمَنونَ الذين هُمْ في أيديهم على أنفُسِهم، ولا يَأمَنونَ الآخَرينَ إنْ وقَعوا في أيديهم، فحَلَّ لهم أنْ يُقاتِلوا دَفعًا عن أنفُسِهم. وإنْ قالُوا لهم: «قاتِلوا معَنا عَدوَّنا من المُشرِكينَ وإلا قتَلناكم» فلا بأسَ بأنْ يُقاتِلوا دَفعًا لهم؛ لأنَّهم يَدفَعونَ الآنَ أشَرَ القَتلِ عن أنفُسِهم، وقَتلُ أولئك المُشرِكينَ لهم حَلالٌ، ولا بأسَ بالإقدامَ على ما هو حَلالٌ عندَ تَحقُّقِ الضَّرورةِ بسَببِ الإكراهِ، ورُبَّما يَجبُ ذلك كما في تَناوُلِه المَيتةَ وشُربِ الخَمرِ، وإنْ قالُوا لهم: «قاتِلوا مَعنا المُسلِمينَ وإلا قتَلناكم» لم يَسَعْهم القِتالُ مع المُسلِمينَ؛ لأنَّ ذلك حَرامٌ على المُسلِمينَ بعَينِه، فلا يَجوزُ الأقدامَ عليه بسَببِ التَّهديدِ بالقَتلِ، كما لو قالَ له: «اقتُلْ هذا المُسلِمَ وإلا قتَلتُك»؛ فإنْ هَدَّدوهم يَقِفونَ معهم في صَفِّهم ولا يُقاتِلونَ المُسلِمينَ، رَجَوتُ أنْ يَكونوا في سَعةٍ؛ لأنَّهم الآنَ لا يَصنَعونَ بالمُسلِمينَ شَيئًا، فهذا ليسَ مِنْ جُملةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>