للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُسلِمينَ يَومَئذٍ آمِنًا عندَ النَّجاشيِّ فكانَ يَخافُ على نَفسِه وعلى المُسلِمينَ من غيرِه فعَرَفنا أنَّه لا بأسَ بذلك عندَ الخَوفِ (١).

وجاءَ في كِتابِ السِّيَرِ الكَبيرِ وشَرحِه للإمامِ مُحمدِ بنِ الحَسنِ الشَّيبانِيِّ : بابُ قِتالِ أهلِ الإسلامِ أهلَ الشِّركِ مع أهلِ الشِّركِ.

قالَ: لا يَنبَغي للمُسلِمينَ أنْ يُقاتِلوا أهلَ الشِّركِ مع أهلِ الشِّركِ؛ لأنَّ الفِئتَين حِزبُ الشَّيطانِ وحِزبُ الشَّيطانِ هُمْ الخاسِرونَ، فلا يَنبَغي للمُسلِمِ أنْ يَنضَمَّ إلى إحدى الفِئتَينِ فيَكثُرَ سَوادُهم، ويُقاتِلَ دَفعًا عنهم، وهذا لأنَّ حُكمَ الشِّركِ هو الظاهِرُ، والمُسلِمُ إنَّما يُقاتِلُ لإظهارِ أهلِ الحَقِّ، لا لإظهارِ حُكمِ الشِّركِ، ولا يَنبَغي أنْ يُقاتِلَ أحَدٌ من أهلِ العَدلِ أحَدًا من الخَوارِجِ، مع قَومٍ آخَرينَ من الخَوارِجِ، إذا كانَ حُكمُ الخَوارِجِ هو الظاهِرَ؛ لأنَّه إباحةُ القِتالِ مع الفِئةِ الباغيةِ من المُسلِمينَ إنْ رجَعوا إلى أمرِ اللهِ لا يَحصُلُ هذا المَقصودُ بهذا القِتالِ إذا كانَ حُكمُ الخَوارِجِ هو الظاهِرَ.

ولا بأسَ بأنْ يُقاتِلَ المُسلِمونَ مِنْ أهلِ العَدلِ مع الخَوارِجِ، المُشرِكينَ من أهلِ الحَربِ؛ لأنَّهم يُقاتِلون الآنَ لدَفعِ فِتنةِ الكُفرِ، ولإظهارِ الإسلامِ، فهذا قِتالٌ على الوَجهِ المَأمورِ به، وهو إعلاءُ كَلِمةِ اللهِ تَعالى، بخِلافِ ما سبَقَ، فالقِتالُ هناك لإظهارِ ما هو مائِلٌ عن طَريقِ الحَقِّ، وههنا لإثباتِ أصلِ الطَّريقِ، ثم إنَّما يُباحُ ذلك إذا لم يَكنْ فيه نَقضُ عَهدٍ منهم.

فأمَّا إذا أمِنوا قَومًا ثم غَدَروا بهم فإنَّه لا يَسَعُهم القِتالُ معهم لأهلِ


(١) «المبسوط» (١٠/ ٩٧، ٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>