للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانِي: أنْ يَأمَنَهم المُسلِمونَ بحُسنِ نيَّاتِهم؛ فإنْ خافُوا لم يَجزْ.

والثالِثُ: أنْ يُخالِفوا مُعتقَدَ المُشرِكينَ كاليَهودِ مع النَّصارى وعَبدةِ الأوثانِ؛ فإنْ وافَقوهم لم يَجزْ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : ويُشترطُ أنْ يَكونَ مَنْ يُستَعانُ به حَسنَ الرأيِ في المُسلِمينَ؛ فإنْ كانَ غيرَ مَأمونٍ عليهم لم تُجزِئْه الاستِعانةُ به؛ لأنَّنا إذا مَنَعنا الاستِعانةَ بمَن لا يُؤمَنُ من المُسلِمينَ مِثلَ المُخذِلِ والمُرجِفِ فالكافِرُ أوْلى (٢).

وقالَ ابنُ القَيمِ في «الزادِ» في مَعرِضِ كَلامِه عمَّا في قِصةِ الحُدَيبيةِ من الفَوائِدِ الفِقهيةِ: «ومنها: أنَّ الاستِعانةَ بالمُشرِكِ المَأمونِ في


(١) «الحاوي الكبير» (١٤/ ١٣٢)، وقال الإمامُ النَّوَويُّ في «رَوضةِ الطالِبين» (١٠/ ٢٣٩): تَجوزُ الاستِعانةُ بأهلِ الذِّمةِ وبالمُشرِكين في الغَزوِ، ويُشترَطُ أنْ يَعرِفَ الإمامُ حُسنَ رَأيِهم في المُسلِمين ويأمَنَ خِيانتَهم، وشرَطَ الإمامُ والبَغَويُّ وآخَرون شَرطًا ثالِثًا، وهو أنْ يَكْثُرَ المُسلِمونَ بحيث لو خانَ المُستَعانُ بهم وانضَمُّوا إلى الذين يَغزونهم لأمكَنَنا مُقاوَمتُهم جَميعًا، وفي كُتبِ العِراقيِّينَ وجَماعةٍ أنَّه يُشترَطُ أنْ يَكونَ في المُسلِمين قِلةٌ وتَمَسُّ الحاجةُ إلى الاستِعانةِ، وهذان الشَّرطانِ كالمُتنافيَيْن؛ لأنَّهم إذا قلُّوا حتى احتاجوا لمُقاومةِ فِرقةٍ إلى الاستِعانةِ بالأُخرى فكيف يُقاوِمونَهما؟ قُلتُ: لا مُنافاةَ فالمُرادُ أنْ يَكونَ المُستعانُ بهم فِرقةٌ لا يَكثُرُ العَدُوُّ بهم كَثرةً ظاهِرةً، وشرَطَ صاحِبُ «الحاوي» أنْ يُخالِفوا مُعتقَدَ العَدُوِّ كاليَهودِ مع النَّصارى، قال: وإذا خرَجوا بشُروطِه اجتهَدَ الأميرُ فيهم فإنْ رَأى المَصلحةَ في تَميُّزِهم ليَعلَمَ نِكايتَهم أفردَهم في جانِبِ الجَيشِ بحيث يَراه أصلَحَ، وإنْ رآها في اختِلاطِهم بالجَيشِ لئَلَّا تَقوى شَوكَتُهم فرَّقَهم بينَ المُسلِمين، واللهُ أعلَمُ.
(٢) «المغني» (٩/ ٢٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>