للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا تَرى أنَّه قالَ في الحَديثِ: «فأسلَمَا» وقيلَ: كانَ يَخافُ الغَدرَ منهما لضَعفٍ كانَ بالمُسلِمينَ يَومَ بَدرٍ كما قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ [آل عمران: ١٢٣]، وإذا خافَ الإمامُ ذلك فلا يَنبَغي أنْ يَستَعينَ بهم، وأنْ يُمَكِّنَهم من الاختِلاطِ بالمُسلِمينَ … ، وعندَنا: إنَّما يَستَعينُ بهم إذا كانُوا يُقاتِلونَ تحتَ رَايةِ المُسلِمينَ، فأمَّا إذا انفَرَدوا برايةِ أنفُسِهم فلا يُستَعانُ بهم (١).

وقالَ الإمامُ الكَرابيسيُّ : يَجوزُ للمُسلِمينَ الاستِعانةُ بأهلِ الذِّمةِ على الكُفارِ إذا لم يَكنْ لهم شَوكةٌ، ولا يَجوزُ الاستِعانةُ بأهلِ الذِّمةِ إذا كانَت لهم شَوكةٌ.

والفَرقُ أنَّ الشَّرطَ في مُخالَطتِهم أنْ يَكونوا تحتَ قَهرِنا وحُكمِنا، فإذا كانَ فيهم قِلةٌ كانُوا تحتَ قَهرِنا، فلم يَكنْ بالاستِعانةِ بهم ضَررٌ بالمُسلِمينَ فجازَت الاستِعانةُ بهم.

وليسَ كذلك إذا كانَت لهم شَوكةٌ؛ لأنَّهم رُبَّما لا يَكونونَ تحتَ قَهرِنا، ولا يُؤمَنُ أنْ يَخرُجوا علينا، ويَظهَرَ دِينُهم، وإذا لم يُؤمَنْ في الاستِعانةِ بهم الإضرارُ لا يُستَعانُ بهم.

والأصلُ فيه ما رُوي عن النَّبيِّ أنَّه قالَ في الخَبرِ المَعروفِ: «إنَّا لا نَستَعينُ بالكُفارِ» لمَّا رأى كَتيبةَ حَسناءَ، ورُوي أنَّه استَعانَ بيَهودِ بَني قَينُقاعَ لمَّا كانَ فيهم قِلةٌ (٢).


(١) «المبسوط» للسرخسي (١٠/ ٢٣)، و «السير الكبير وشرحه» (٤/ ١٤٢٢).
(٢) «الفروق» (١/ ٣١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>