وإذا لمْ يُقسِّمِ الإمامُ الأرضَ، فعليه أنْ يَستطيبَ الغانِمينَ، كما استَطابَ رَسولُ اللهِ ﷺ أنْفُسَ الغانِمينَ يَومَ حُنَينٍ ممَّن صار في يَدَيْه سَبيُ هَوَازِنَ، وكما فعَلَ في خَيبَرَ وبَني قُريظةَ، وكما استَطابَ عُمرُ بنُ الخَطابِ الغانِمينَ بعدَ فَتحِ سَوادِ العِراقِ بعِوضٍ أو بغيرِه، فصارَت الأرضُ وَقفًا، أي: فَيئًا للمَصالحِ العامةِ بعدَ أنْ كانَت غَنيمةً، فقد أعطى عُمرُ جَريرًا البَجليَّ عِوضًا من سَهمِه، وأعطى امرأةً بَجَليةً عِوضًا من سَهمِ أبيها؛ لأنَّ حقَّ الغانِمينَ قد ثبَتَ في الغَنيمةِ بعدَ الفَتحِ بالاستِيلاءِ، فلا يَملِكُ الإمامُ إبطالَ هذا الحَقِّ بتَركِ الأرضِ في أيدي أهلِها كالمَنقولِ، ومَن لم يَطبْ نَفسًا منهم فهو أحقُّ بحَقِّه.
والقَولُ الثانِي: الأرضُ لا تُقسَّمُ، بل تَكونُ وَقفًا في مَصالحِ المُسلِمينَ على حُكمِ الفَيءِ، لا يَستأثِرُ أحَدٌ بمِلكِ أعيانِها، بل هي لكلِّ مَنْ حضَرَ ذلك، ومَن لم يَحضُرْه، ومَن يَجيءُ بَعدُ من المُسلِمينَ إلى يَومِ القيامةِ، وهو قَولُ المالِكيةِ في المَشهورِ وأحمدَ في رِوايةٍ.
واستدَلُّوا في ذلك بفِعلِ عُمرَ حيثُ وقَفَ الأراضيَ التي افتَتَحها كسَوادِ العِراقِ، وذكَرُوا احتِجاجَه على ذلك بالآيةِ من سُورةِ الحَشرِ، بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [الحشر: ٧] الآيةَ كلَّها إلى قَولِه: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ﴾ [الحشر: ٨]، وإلى قَولِه: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [الحشر: ١٠] إلى آخِرِ الآياتِ. قالَ عُمرُ لمَّا قرَأَ هذه الآياتِ: «فاستَوعَبتْ هذه الآيةُ الناسَ فلمْ يَبقَ أحَدٌ من المُسلِمينَ إلا له فيها حقٌّ -أو قالَ: حَظٌّ- إلا بعضَ من تَملِكون