للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ المُهلَّبُ : وقد اعتَرض هذا قَومٌ بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٩] ولا حُجةَ لهم في الآيةِ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا﴾ [النساء: ٣٠] والعُدوانُ والظُّلمُ مُحرَّمانِ، وليسَ مَنْ أهلَكَ نَفسَه في طاعةِ اللهِ بعادٍ ولا ظالِمٍ، ولو كانَ كما قالُوا لما جازَ لأحدٍ أنْ يَقتحِمَ المَهالِكَ في الجِهادِ، وقد افتُرِضَ على كلِّ مُسلمٍ مُقارَعةُ رَجلَينِ من الكُفارِ ومُبارَزتُهما، وهذا من أبيَنِ المُهلِكاتِ والغَرَرِ، ومَن فَرَّ من اثنَينِ فقد أكبَرَ المَعصيةَ وتَعرَّضَ لغَضبِ اللهِ (١).

وقالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ في شَرحِه لهذا الحَديثِ: وقد أجمَعوا على جَوازِ تَقحُّمِ المَهالِكِ في الجِهادِ (٢).

وعن عاصِمِ بنِ عُمرَ بنِ قَتادةَ قالَ: «لمَّا التَقى الناسُ يَومَ بَدرٍ قالَ عَوفُ بنُ عَفراءَ بنِ الحارِثِ : يا رَسولَ اللهِ ما يُضحِكُ الرَّبَّ من عبدِه؟ قالَ: أنْ يَراه قد غمَسَ يَدَه في القِتالِ يُقاتِلُ حاسِرًا، فنزَعَ عَوفٌ دِرعَه ثم تَقدَّمَ فقاتَلَ حتى قُتلَ» (٣).


(١) «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٢٩٦).
(٢) «فتح الباري» (١٢/ ٣١٦).
(٣) رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (١٩٤٩٩)، والطبري في «تاريخه» (٢/ ٣٣)، والبيهقي في «الكبرى» (١٧٩٧٤) باب: جَوازُ انْفرادِ الرَّجلِ والرِّجالِ بالغَزوِ في بلادِ العَدوِّ استدلالًا بجَوازِ التَّقدُّمِ على الجماعةِ؛ وإن كانَ الأَغلبُ أنَّها ستَقتُلُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>