أعتَزِي إلى جُهَينةَ، أي: أنتَسِبُ إليهم، ثم قُلتُ له: جِئتُ لأنصُرَك وأُكثِّرَك وأكونَ معك، ومعناه؛ لأنصُرَك بالدُّعاءِ إلى الإسلامِ، وبالمَنعِ عن المُنكَرِ، وهو قِتالُ رَسولِ اللهِ ﷺ على ما قالَ ﵇: «انصُرْ أخاكَ ظالمًا أو مَظلومًا»، فقيل: كيف يَنصُرُه ظالمًا؟ قالَ: «يَكفُّه عن ظُلمِه»، وقَولُه: أُكثِّرَك، أي: أجعَلَك إربًا إربًا، فأُكثِرَ أجزاءَك إنْ لم تُؤمِنْ، وأكونَ معك إلى أنْ أقتُلَك، فقالَ للجاريةِ: احلُبي، فحَلبَت، ثم ناوَلَتْني فمَصَصتُ شَيئًا يَسيرًا ثم دَفَعتُه إليه فعَبَّ فيه كما يَعُبُّ الجَملُ، حتى إذا غاب أنْفُه في الرَّغوةِ صَوَّبتُه، وقُلتُ للجاريةِ: لئِن تَكلَّمتِ لأقتُلنَّكِ، وذكَرَ بعدَ هذا: فمَشَيتُ معه حتى استَحلى حَديثي، ثم أريتُه أنِّي وَطِئتُ على غُصنِ شَوكٍ فشِيكَتْ رِجْلي، فقالَ: الحَقْ يا أخَا جُهَينةَ، فجَعَلتُ أتَخلَّفُ ويَستلحِقُني، فلَحِقتُه وهو مُوَلًّى، فضَرَبتُ عُنقَه وأخَذتُ برَأسِه، ثم خرَجَتُ أشتَدُّ حتى صَعِدت الجَبلَ فدَخلتُ غارًا، وأقبَلَ الطَّلبُ، وفي رِوايةٍ: خرَجَت الخَيلُ تَوزَّعُ في كلِّ وَجهٍ في الطَّلبِ وأنا مُتمكِّنٌ في الجَبلِ، فأقبَلَ رَجلٌ معه إداوةٌ ونَعلاه في يَدِه وكُنتُ حَافيًا، فجلَسَ يَبولُ فوضَعَ إداوَتَه ونَعلَيْه، وضَرَبتِ العَنكبوتُ على الغارِ، أو قالَ: خرَجَت حَمامةٌ، فقالَ لأصحابِه: ليسَ فيه أحَدٌ، فنزَلَ وترَك نَعلَيْه وإداوَتَه، فخَرجتُ ولَبِستُ النَّعلَينِ وأخَذتُ الإداوةَ فكُنتُ أسيرُ اللَّيلَ وأتوَارى بالنَّهارِ، حتى جِئتُ المَدينةَ، فوَجَدتُ النَّبيَّ ﷺ في المَسجِدِ، فلمَّا رآني قالَ: «أفلَحَ الوَجهُ»، وهذا لفظٌ يَتكلَّمُ به العَربُ خِطابًا لمَن نالَ المُرادَ وفازَ بالنُّصرةِ، فقُلتُ: وَجهُك الكَريمُ يا رَسولَ اللهِ، فأخبَرتُه خَبري، فدفَع إلَيَّ عَصًا وقالَ: «تَخصَّرْ بهذه يا ابنَ أُنيسٍ في الجَنةِ؛ فإنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute