أو جِئتُ أُريدُ أنْ أُقاتِلَ معكم المُسلِمينَ، فلا بأسَ بأنْ يَقتُلَ مَنْ أحَبَّ منهم ويَأخذَ من أموالِهم ما شاءَ؛ لأنَّ هذا الذي قالَ ليسَ بأمانٍ منه لهم، إنَّما هو خِداعٌ باستِعمالِ مَعاريضِ الكَلامِ؛ فإنَّ مَعنى قَولِه: أنا رَجلٌ منكم، أي: آدَميٌّ من جِنسِكم، ومَعنى قَولِه: جِئتُ لأُقاتِلَ معكم المُسلِمينَ، أي: أهلَ البَغيِ إنْ نَشَطتُم في ذلك، أو أضمَر في كَلامِه (عن) أي: جِئتُ لأُقاتِلَ معكم دَفعًا عن المُسلِمينَ، ولو كانَ هذا اللَّفظُ أمانًا منه لم يَصحَّ؛ لأنَّه أسيرٌ مَقهورٌ في أيديهم فكيف يُؤمِّنُهم، إنَّما حاجَتُه إلى طَلبِ الأمانِ منهم، وليسَ في هذا اللَّفظِ من طَلبِ الأمانِ شَيءٌ.
ثم استَدلَّ عليه بالآثارِ، فمَن ذلك ما رُوي «أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ بعَثَ عبدَ اللهِ بنَ أُنيسٍ سَريةً وَحدَه إلى خالدِ بنِ سُفيانَ بنِ نُبيحٍ الهُذليِّ إلى نَخلةٍ أو بعُرَنةَ، وبلَغ النَّبيَّ ﷺ أنَّه يَجمَعُ له، أي: جمَعَ الجَيشَ لقِتالِه، وأمَرَه بقَتلِه، وقالَ: انتسِبْ إلى خُزاعةَ، وإنَّما أمَرَه بذلك لأنَّ ابنَ سُفيانَ كانَ منهم، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي لا أعرِفُه، فقالَ: «إنَّكَ إذا رأيتَه هِبتَه»، وكنتُ لا أهابُ الرِّجالَ، فأقبَلتُ عُشَيشيةَ الجُمُعةِ -وهو تَصغيرُ العَشيةِ- فحانت الصَّلاةُ فخَشيتُ أنْ أُصلِّيَ فأُعرفَ، فأومَأتُ إيماءً وأنا أمشي، وبه يَستدِلُّ أبو يُوسفَ على أنَّ المُنهزِمَ ماشِيًا يُومِئُ ثم يُعيدُ. قالَ: حتى أدفَعَ إلى راعيةٍ له، فقُلتُ: لمَن أنتِ؟ فقالَت: لابنِ سُفيانَ، فقُلتُ: أينَ هو؟ قالَت: جاءَك الآنَ، فلمْ أنشَبْ أنْ جاءَ يَتوكَّأُ على عَصًا -أي لم ألبَثْ-، فلمَّا رأيتُه وَجَدتُني أقطُرُ، وفي رِوايةٍ أفكِلُ -أي: تَرتَعِدُ فَرائصِي هَيبةً منه-، فجاء فسلَّمَ، ثم نسَبَني فانتسَبتُ إلى خُزاعةَ، وذكَرَ في الطَّريقِ الآخَرِ: كُنْتُ