للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخِلافِ الأسيرِ فيُباحُ تَعرُّضُه وإنْ أطلَقوه طَوعًا؛ لأنَّه غيرُ مُستأمَنٍ فهو كالمُتلصِّصِ؛ فإنَّه يَجوزُ له أَخذُ المالِ وقَتلُ النَّفسِ دونَ استِباحةِ الفَرجِ (١).

وقالَ الإمامُ الشافِعيُّ : وإذا دخَلَ رَجلٌ مُسلِمٌ دارَ الحَربِ بأمانٍ فوجَدَ امرأتَه أو امرأةَ غيرِه أو مالَه أو مالَ غيرِه من المُسلِمينَ أو أهلِ الذِّمةِ ممَّا غصَبَه المُشرِكونَ كانَ له أنْ يَخرجَ به من قِبَلِ أنَّه ليسَ بمِلكٍ للعَدوِّ، ولو أسلَموا عليه لم يَكنْ لهم فليسَ بخِيانةٍ، كما لو قدِرَ على مُسلمٍ غصَبَ شَيئًا فأخَذَه بلا عِلمِ المُسلِمِ فأدَّاه إلى صاحِبِه لم يَكنْ خانَ، إنَّما الخِيانةُ أخذُ ما لا يَحِلُّ له أخذُه.

ولكنَّه لو قدِرَ على شَيءٍ من أموالِهم لم يَحِلَّ له أنْ يَأخذَ منه شَيئًا قَلَّ أو كَثُر؛ لأنَّه إذا كانَ منهم في أمانٍ فهُم منه في مِثلِه، ولأنَّه لا يَحِلُّ له في أمانِهم إلا ما يَحِلُّ له من أموالِ المُسلِمينَ وأهلِ الذِّمةِ؛ لأنَّ المالَ مَمنوعٌ بوُجوهٍ:

أوَّلُها: إسلامُ صاحِبِه، والثانِي: مالُ مَنْ له ذِمةٌ، والثالِثُ: مالُ مَنْ له أمانٌ إلى مُدةِ أمانِه، وهو كأهلِ الذِّمةِ فيما يُمنَعُ من مالِه إلى تلك المُدةِ (٢).

وقالَ أيضًا: إذا دخَلَ قَومٌ من المُسلِمينَ بِلادَ الحَربِ بأمانٍ فالعَدوُّ منهم آمِنونَ إلى أنْ يُفارِقوهم أو يَبلُغوا مُدةَ أمانِهم، وليسَ لهم ظُلمُهم ولا خيانَتُهم، وإنْ أسَرَ العَدوُّ أطفالَ المُسلِمينَ ونِساءَهم لم أكُنْ أُحبُّ لهم الغَدرَ بالعَدوِّ، ولكنْ أُحبُّ لهم


(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ٣٠١)، و «شرح السير الكبير» (٢/ ٥٠٧)، و «الهداية شرح البداية» (٢/ ١٥٢)، و «شرح فتح القدير» (٦/ ١٧)، و «العناية» (٨/ ٥٠)، و «حاشية ابن عابدين على الدر المختار» (٤/ ١٦٦)، و «البحر الرائق» (٥/ ١٠٧).
(٢) «الأم» (٤/ ٢٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>