للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَنبيهان:

أحدُهما: قد يُوهِمُ كَلامُه بأنَّ الإشارةَ لا تَكفي في إيجابِ الأمانِ، والمَذهبُ الاكتِفاءُ كما مَرَّ، وهذا بخِلافِ الإشارةِ في الطَّلاقِ والرَّجعةِ وسائرِ العُقودِ حيثُ يُعتبَرُ العَجزُ عن النُّطقِ؛ لأنَّ المَقصودَ هنا حَقنُ الدِّماءِ فكانَت الإشارةُ شُبهةً، واحترَزَ بالمُفهِمةِ عن غيرِ المُفهِمةِ فلا يَصحُّ بها أمانٌ.

الثانِي: أنَّ محَلَّ الخِلافِ في اعتبارِ القَبولِ إنْ لم يَسبِقْ منه استِيجابٌ؛ فإنْ سبَقَ منه لم يَحتَجْ للقَبولِ جَزمًا (١).

وقالَ الإمامُ الأزديُّ القُرطبيُّ : فإذا تقرَّرَ من مُستنَدِ الشَّرعِ وأقوالِ العُلماءِ في مُلاحظةِ ثُبوتِ الأمانِ مُراعاةُ ما دلَّ عليه من قَولٍ أو إشارةٍ أو استِشعارٍ؛ فأقولُ: كلُّ لفظٍ -على أيِّ لُغةٍ كانَ- واصطِلاحٍ حدَثَ أو كِتابةٍ بأيِّ خَطٍّ في مِثلِ ذلك ممَّا اصطُلِح عليه، أو إشارةٍ ورَمزٍ ونَحوِ ذلك ممَّا يُتَفاهَمُ بمِثلِه يُشعِرُ به المُسلِمُ الحَربيَّ بأمانٍ أو يَستَشعِرُ منه الحَربيُّ الأمانَ سَواءٌ أرادَه المُسلِمُ أو لا؛ فهو أمانٌ في الحالِ ممَّا وافَق ما قصَده المُسلِمُ من ذلك، ولم يَكنْ فيه وَجهٌ من وُجوهِ الفَسادِ، ويَجبُ إمضاؤُه والوَفاءُ به إلى غايَتِه، وما لم يَكنْ مُرادُه منه التَّأمينَ إلا أنَّ الحَربيَّ نزَلَ على ذلك مُستَشعِرًا فيه أمانًا، وجَبَ فيه رَدُّ الحَربيِّ إلى مَأمنِه، ثم يَعودُ الأمرُ معه


(١) «مغني المحتاج شرح المنهاج» (٤/ ٢٣٧، ٢٣٨)، و «نهاية المحتاج شرح المنهاج» (٨/ ٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>