للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسولِ اللهِ إنَّهم يَصنَعون ذلك بنا، فقالَ أبو بَكرٍ : «أفاستِنانٌ بفارِسَ والرُّومِ؟! لا تَحمِلوا إلَيَّ رأسًا إنَّما يَكفي الكِتابُ والخَبرُ» … قالَ: فهذا أبو بَكرٍ قد أنكَرَ حَملَ الرُّؤوسِ إليه.

فكانَ جَوابُنا له في ذلك بتَوفيقِ اللهِ ﷿ وعَونِه أنَّ أبا بَكرٍ، وإنْ كانَ قد أنكَرَ ذلك، فقد كانَ حامِلوه شُرَحبيلُ بنُ حَسَنةَ وعَمرُو بنُ العاصِ وعُقبةُ بنُ عامِرٍ بحَضرةِ من كانَ معهم من أُمرائِه على الأجنادِ منهم يَزيدُ بنُ أبي سُفيانَ ومَن سِواه ممَّن كانَ خرَجَ لغَزوِ الشامِ من أصحابِ رَسولِ اللهِ فلم يُنكِروا ذلك عليهم، ولم يُخالِفوهم عليه، فدلَّ ذلك على مُتابَعتِهم إيَّاهم عليه، ولمَّا كانَ ذلك كذلك وكانُوا مَأْمونين على ما فعَلوا فُقهاءَ في دِينِ اللهِ ﷿ كانَ ما فعَلوا من ذلك مُباحًا؛ لما رأوْا فيه مِنْ إعزازِ دِينِ اللهِ وغَلبةِ أهلِه الكُفارَ به، وكانَ ما كانَ من أبي بَكرٍ في ذلك من كَراهَتِه إيَّاه قد يَحتمِلُ أنْ يَكونَ لمَعنًى قد وقَفَ عليه في ذلك يَعني عن ذلك الفِعلِ، وقد كانَ رأيُه معه التَّوفيقُ.

وكانَ مِثلُ هذا مِنْ بَعدُ يُرجَعَ فيه إلى رأيِ الأئِمةِ الذين يَحدُثُ مِثلُ هذا في إبَّانِهم، فيَفعَلون في ذلك ما يَرَوْنه صَوابًا، وما يَرَوْنه من حاجةِ المُسلِمينَ إليه، ومن استِغنائِهم عنه وقد كانَ من عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ في رأسِ المُختارِ لمَّا حُمِل إليه ترَكَ النَّكيرَ في ذلك، ومعه بَقايا من أصحابِ رَسولِ اللهِ كانُوا في ذلك على مِثلِ ما كانُوا عليه (١).


(١) «شرح مشكل الآثار» للطحاوي (٧/ ٤٠١، ٤٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>