للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمالِ يَأخُذُه منهم، سَواءٌ أكانَ من مالِهم أو من مالِنا الذي في أيديهم، وأنْ نَفديَهم بأسلِحَتِنا التي في أيديهم، أمَّا أسلحَتُهم التي بأيدينا ففي جَوازِ مُفاداةِ أسرانا بها وَجهانِ: أوجَهُهما عندَهم الجَوازُ.

واستدَلُّوا على ذلك بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ [محمد: ٤]، وبفِعلِ الرَّسولِ ، فقد فادَى أُسارى بَدرٍ بالمالِ وكانُوا سَبعينَ رَجلًا، كلُّ رَجلٍ منهم بأربَعِمئةِ دِرهمٍ (١)، وأدْنى دَرجاتِ فِعلِه الجَوازُ والإباحةُ.

ولأنَّ الفِداءَ بغيرِ مالٍ لا مَصلَحةَ فيه، وإنَّما يَجوزُ للإمامِ فِعلُ ما فيه المَصلَحةُ.

وذهَبَ الحَنفيةُ -في غيرِ ما رُوي عن مُحمدٍ- وأحمدُ في رِوايةٍ إلى عَدمِ جَوازِ الفِداءِ بمالٍ؛ لأنَّ قَتلَ الأُسارى مَأمورٌ به؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (١٢)[الأنفال: ١٢].

وأنَّه مُنصرِفٌ إلى ما بعدَ الأخذِ والاستِرقاقِ، ولِقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] والأمرُ بالقَتلِ للتَّوسُّلِ إلى الإسلامِ، فلا يَجوزُ تَركُه إلا لما شُرعَ له القَتلُ، وهو أنْ يَكونَ وَسيلةً إلى الإسلامِ، ولا يَحصُلُ مَعنى التَّوسُّلِ بالمُفاداةِ بالمالِ، كما أنَّ في ذلك إعانةً


(١) رواه أبو داود (٢٦٩٣)، والنسائي في «الكبرى» (٨٦٠٧)، والحاكم (٢٥٧٣)، والبيهقي في «الكبرى» (٦/ ٣٢١)، عن ابن عَباسٍ: «أنَّ النَّبيَّ جعَلَ فِداءَ أهلِ الجاهِليةِ يَومَ بَدرٍ أربَعَمئةٍ»، وصَحيحٌ دونَ لَفظِ الأربَعِمئةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>