للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو تتَرَّسوا بمُسلمٍ أو ذِميٍّ فلا نَرميهم إنْ لم تَدْعُ ضَرورةٌ إلى رَميِهم، واحتمَلَ الحالُ الإعراضَ عنهم صيانةً للمُسلِمينَ وأهلِ الذِّمةِ، وفارَق النِّساءَ والصِّبيانَ بأنَّ المُسلِمَ والذِّميَّ مَحْقونا الدَّمِ لحُرمةِ الدِّينِ والعَهدِ.

فلم يَجزْ رَميُهم بلا ضَرورةٍ، والنِّساءُ والصِّبيانُ حُقِنوا لحَقِّ الغانِمينَ فجازَ رَميُهم بلا ضَرورةٍ، فلو رَمى رامٍ فقتَلَ مُسلمًا فحُكمُه مَعلومٌ ممَّا مَرَّ في الجِناياتِ، فلو دَعَت ضَرورةٌ إلى ذلك بأنْ تتَرَّسوا في حالِ التِحامِ القِتالِ به وكانُوا بحيثُ لو كفَفْنا عنهم ظَفِروا بنا وكثُرَت نِكايَتُهم جازَ رَميُهم لمَا مَرَّ، وتَوقَّيناه، أي: المُسلِمَ أو الذِّميَّ بحسَبِ الإمكانِ؛ لأنَّ مَفسَدةَ الإعراضِ أكثَرُ مِنْ مَفسَدةِ الإقدامِ، ولا يَبعدُ احتِمالُ قَتلِ طائِفةٍ للدَّفعِ عن بَيضةِ الإسلامِ ومُراعاةِ الأُمورِ الكُلِّياتِ وكالذِّميِّ المُستأمَنِ والعبدِ (١).

وذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ في القَولِ الثانِي إلى أنَّه لا يَجوزُ ذلك إلا عندَ الضَّرورةِ.

قالَ الإمامُ القَرافِيُّ : ولو تتَرَّسوا بالنِّساءِ والصِّبيانِ تَرَكناهم، إلا أنْ يُخافَ على المُسلِمينَ؛ فإنْ تتَرَّسوا بمُسلمٍ تُرِكوا وإنْ خِفْنا على أنفُسِنا؛ لأنَّ دَمَ المُسلِمِ لا يُباحُ بالخَوفِ؛ فإنْ تتَرَّسوا في الصَّفِّ ولو تُرِكوا لانهزَمَ المُسلِمونَ وخيفَ استِئصالُ قاعِدةِ الإسلامِ أو جُمهورِ المُسلِمينَ وأهلِ القُوةِ منهم وجَبَ الدَّفعُ وسقَطَ مُراعاةُ التُّرسِ (٢).


(١) «أسنى المطالب» (٤/ ١٩١).
(٢) «الذخيرة» (٣/ ٤٠٨)، و «القوانيين الفقهية» ص (٩٨)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>