للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ المُنذِرِ: لا أعرِفُ حُجةً في تَركِ قَتلِ الشُّيوخِ يُستَثنَى بها من عُمومِ قَولِه: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾، ولأنَّه كافِرٌ لا نَفعَ في حَياتِه فيُقتَلُ كالشَّابِّ.

ولنا: أنَّ النَّبيَّ قالَ: «لا تَقتُلوا شَيخًا فانِيًا ولا طِفلًا ولا امرأةً» (١) رَواه أبو داودَ في «سُننِه».

ورُوي عن أبي بَكرٍ الصِّديقِ أنَّه أوصى يَزيدَ حينَ وَجَّهه إلى الشامِ فقالَ: «لا تَقتُلْ صَبيًّا ولا امرأةً ولا هَرِمًا» وعن عُمرَ أنَّه وصَّى سَلمةَ بنَ أقيَسَ فقالَ: «لا تَقتُلوا امرأةً ولا صَبيًّا ولا شَيخًا هَرِمًا» رَواهما سَعيدٌ، ولأنَّه ليسَ من أهلِ القِتالِ فلا يُقتَلُ كالمَرأةِ.

وقد أَومأَ النَّبيُّ إلى هذه العِلةِ في المَرأةِ فقالَ: «ما بالُ هذه قُتِلَت وهي لا تُقاتِلُ» والآيةُ مَخصوصةٌ بما رَويْنا، ولأنَّه قد خرَجَ من عُمومِها المَرأةُ والشَّيخُ الهَرِمُ في مَعناها فنَقيسُه عليها، وأمَّا حَديثُهم فأرادَ به الشُّيوخَ الذين فيهم قُوةٌ على القِتالِ أو مَعونةٌ عليه برأيٍ أو تَدبيرٍ جَمعًا بينَ الأحاديثِ، ولأنَّ أحاديثَنا خاصةٌ في الهَرِمِ ولأنَّ حَديثَهم عامٌّ في الشُّيوخِ كلِّهم، والخاصُّ يُقدَّمُ على العامِّ، وقياسُهم يُنتقَضُ بالعَجوزِ التي لا نَفعَ فيها (٢).

وذهَبَ الشافِعيةُ في المَذهبِ وابنُ المُنذِرِ إلى أنَّه يُقتَل مَنْ قاتَلَ أو لم يُقاتلْ؛ لما رُوي عن سَمُرةَ بن جُندُبٍ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ :


(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه أبو داود (٢٦١٤).
(٢) «المغني» (٩/ ٢٥١)، و «الإنصاف» (٤/ ١٢٩)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>