للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دارِ المُهاجِرينَ، وأخبِرْهم بأنَّهم إنْ فعَلوا ذلك فلهم ما للمُهاجِرينَ وعليهم ما على المُهاجِرينَ؛ فإنْ أبَوْا أنْ يَتحوَّلوا منها فأخبِرْهم أنَّهم يَكونونَ كأعرابِ المُسلِمينَ، يَجري عليهم حُكمُ اللهِ الذي يَجري على المُؤمِنينَ، ولا يَكونُ لهم في الغَنيمةِ والفَيءِ شَيءٌ إلا أنْ يُجاهِدوا مع المُسلِمينَ؛ فإنْ هُمْ أبَوْا فسَلْهم الجِزيةَ، وإنْ هُمْ أجابوك فاقبَلْ منهم، وكُفَّ عنهم؛ فإنْ أبَوا فاستَعِنْ باللهِ وقاتِلْهم»، وقد تَقدَّمَ الحَديثُ.

فمَن رأى أنَّ العُمومَ إذا تأخَّرَ عن الخُصوصِ فهو ناسِخٌ له قالَ: لا تُقبَلُ الجِزيةُ من مُشرِكٍ ما عدا أهلَ الكِتابِ؛ لأنَّ الآيةَ الآمِرةَ بقِتالِهم على العُمومِ هي مُتأخِّرةٌ عن ذلك الحَديثِ، وذلك أنَّ الأمرَ بقِتالِ المُشرِكينَ عامةً هو في سورةِ: «بَراءةٌ»، وذلك عامَ الفَتحِ. وذلك الحَديثُ إنَّما هو قبلَ الفَتحِ، بدَليلِ دُعائِهم فيه للهِجرةِ.

ومَن رأى أنَّ العُمومَ يُبنَى على الخُصوصِ تَقدَّمَ أو تأخَّرَ، أو جُهلَ التَّقدُّمُ والتأخُّرُ بينهما، قالَ: تُقبَلُ الجِزيةُ من جَميعِ المُشرِكينَ، وأمَّا تَخصيصُ أهلِ الكِتابِ من سائرِ المُشرِكينَ فخرَجَ من ذلك العُمومِ باتِّفاقٍ بخُصوصِ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)[التوبة: ٢٩] (١).

أمَّا ابنُ القَيمِ فقالَ: الجِزيةُ تُؤخذُ من كلِّ كافرٍ، هذا ظاهِرُ هذا الحَديثِ -يَقصِدُ حَديثَ بُرَيدةَ- ولم يَستَثنِ منه كافرًا من كافرٍ.


(١) «بداية المجتهد» (١/ ٥١٩، ٥٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>