فظاهِرٌ أنَّه يُصيِّرُ مَنفعةَ نَفسِه لنا، وكذا الجِزيةُ؛ فإنَّه يَكتسِبُ ويُؤدِّي إلى المُسلِمينَ، والحالُ أنَّ نَفَقتَه في كَسبِه، فقد أدَّى حاجةَ نَفسِه إلينا أو بَعضَها، فهذا المَعنى يُوجِبُ تَخصيصَ عُمومِ وُجوبِ القِتالِ الذي استَدلَّ به، وذلك لأنَّه عامٌّ مَخصوصٌ بإخراجِ أهلِ الكِتابِ والمَجوسِ عندَ قَولِهم: الجِزيةَ، كما ذكَرَ، فجازَ تَخصيصُه بعدَ ذلك بالمَعنى (١).
وعندَ المالِكيةِ أربَعةُ أقوالٍ:
الأولُ: أنَّها تُقبَلُ من أهلِ الكِتابِ عَربًا كانُوا أو غيرَهم.
الثانِي: قالَ ابنُ القاسِمِ ﵀: إذا رضِيَت الأُممُ كلُّها بالجِزيةِ قُبِلت منهم، وهو المَذهبُ.
الثالِثُ: قالَ ابنُ الماجِشونِ ﵀: لا تُقبَلُ.
الرابِعُ: قالَ ابنُ وَهبٍ ﵀: لا تُقبَلُ من مَجوسِ العَربِ، وتُقبَلُ من غيرِهم.
قالَ ابنُ العَربيِّ ﵀: وَجهُ من قالَ: إنَّها تُقبَلُ من أهلِ الكِتابِ عَربًا كانُوا أو غيرَهم: تَخصيصُ اللهِ ﷾ بالذِّكرِ أهلَ الكِتابِ.
وأمَّا مَنْ قالَ:«إنَّها تُقبَلُ من الأُممِ كلِّها» فالحَديثُ الصَّحيحُ في كِتابِ مُسلمٍ وغيرِه عن سُليمانَ بنِ بُرَيدةَ عن أبيه قالَ: كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ إذا أمَّرَ أميرًا على جَيشٍ أو سَريةٍ أوصاه في خاصَّتِه بتَقوى اللهِ وبمَن معه مِنْ المُؤمِنينَ خَيرًا، ثم قالَ: «اغْزُوا باسمِ اللهِ في سَبيلِ اللهِ، قاتِلوا