للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اختَلفَ أهلُ العِلمِ في هؤلاء، هل يُقاتَلَون حتى يُسلِموا أو تُقبَلُ منهم الجِزيةُ، كأهلِ الكِتابِ والمَجوسِ؛ فإنْ بذَلوا الجِزيةَ قُبِلت منهم؟

فقالَ الحَنفيةُ: لا يُقبَلُ من مُشرِكي العَربِ إلا الإسلامُ أو السَّيفُ؛ لأنَّ النَّبِيَّ نشَأَ بينَ أظهُرِهم ونزَلَ القُرآنُ بلُغَتِهم، فالمُعجِزةُ في حَقِّهم أظهَرُ، وتُقبَلُ الجِزيةُ من عَبدةِ الأوثانِ من العَجمِ؛ لأنَّه يَجوزُ استِرقاقُهم فيَجوزُ ضَربُ الجِزيةِ عليهم؛ إذْ كلُّ واحِدٍ منهما يَشتمِلُ على سَلبِ النَّفسِ منهم؛ فإنَّه يَكتسِبُ ويُؤدِّي إلى المُسلِمينَ ونَفَقتُه في كَسبِه، وإنْ ظهَرَ عليهم قبلَ وَضعِ الجِزيةِ فهُم ونِساؤُهم وصِبيانُهم فَيْءٌ؛ لجَوازِ استِرقاقِهم، لا فَرقَ في ذلك بينَ الأنواعِ الثَّلاثةِ (١).

قالَ ابنُ الهُمامِ : وتُوضَعُ على عَبدةِ الأوثانِ من العَجمِ وفيه خِلافُ الشافِعيِّ، هو يَقولُ: القِتالُ واجِبٌ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ﴾، إلا أنَّا عرَفنا جَوازَ تَركِه إلى الجِزيةِ في حَقِّ أهلِ الكِتابِ بالقُرآنِ، أعني ما تَلَوْناه مِنْ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ﴾ [التوبة: ٢٩]. وفي المَجوسِ بالخَبرِ الذي ذكَرْناه في صَحيحِ البُخاريِّ السابِقِ ذِكرُه، فبَقي مَنْ وَراءَهم على الأصلِ.

ولنا: أنَّه يَجوزُ استِرقاقُهم فيَجوزُ ضَربُ الجِزيةِ عليهم بجامِعِ أنَّ كلًّا من الاستِرقاقِ والجِزيةِ يَشتمِلُ على سَلبِ النَّفسِ منهم، أمَّا الاستِرقاقُ


(١) «مختصر اختلاف العلماء» للطحاوي (٣/ ٤٨٤)، و «المبسوط» للسرخسي (١٠/ ١١٩)، و «البحر الرائق» (٥/ ١٢٠)، و «الهداية شرح البداية» (٢/ ١٦٠)، و «شرح فتح القدير» (٦/ ٤٨، ٤٩)، و «الجوهرة النيرة» (٢/ ٣٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>