للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا إذا جبُنَ أهلُ البَلدِ وتَخاذَلوا عن عَدُوِّ اللهِ وعَدوِّهم، ففُرضَ على مَنْ وَراءَهم من المُسلِمينَ أنْ يَنهَضوا لصَدِّ الغَزوِ ومُقاوَمةِ العَدوِّ؛ لأنَّ كلَّ أرضٍ إِسلاميةٍ هي مِلكٌ لجَميعِ المُسلِمينَ، لا مِلكُ ساكِنيها وَحدَهم، فإذا فرَّطوا هم في الدِّفاعِ عنها لم يَسقُطْ عمَّن وَراءَهم من المُسلِمينَ واجِبُ الدِّفاعِ عن أرضِ الإسلامِ ودارِ الإسلامِ.

وقد نقَلَ الزَّيلعيُّ وابنُ عابدين وغيرُهما عن صاحِبِ «الذَّخيرة» من كُتُبِ الفِقهِ الحَنفيِّ قَولَه: إنَّ الجِهادَ إذا جاءَ النَّفيرُ إنَّما يَصيرُ فَرضَ عَينٍ على مَنْ يَقرُبُ من العَدوِّ، فأمَّا مَنْ وَراءَهم بِبُعدٍ من العَدوِّ فهو فَرضُ كِفايةٍ عليهم حتى يَسَعَهم تَركُه إذا لم يُحتَجْ إليهم.

فإنِ احتيجَ إليهم بأنْ عجَزَ مَنْ كانَ يَقرُبُ من العَدوِّ عن المُقاوَمةِ مع العَدوِّ أو لم يَعجِزوا عنها لكنَّهم تكاسَلوا ولم يُجاهِدوا فإنَّه يُفترَضُ على مَنْ يَليهم فَرضَ عَينٍ كالصَّلاةِ والصَّومِ، لا يَسعُهم تَركُه، ثم … وثم … (يَعني الأقرَبَ فالأقرَبَ)، إلى أنْ يُفترَضَ على جَميعِ أهلِ الإسلامِ شَرقًا وغَربًا على هذا التَّدريجِ.

ونَظيرُه الصَّلاةُ على المَيِّتِ، فإنَّ من ماتَ في ناحيةٍ من نَواحي البَلَدِ فعلى جِيرانِه وأهلِ مَحلَّتِه أنْ يَقوموا بأسبابِه، وليسَ على مَنْ كانَ يَبعدُ من المَيِّت أنْ يَقومَ بذلك، وإنْ كانَ الذي يَبعدُ من المَيِّتِ يَعلمُ أنَّ أهلَ مَحلَّتِه يُضيِّعون حُقوقَه أو يَعجِزونَ عنه، كانَ عليه أنْ يَقومَ بحُقوقِه، كذا هنا (١).


(١) «تبيين الحقائق» (٣/ ٢٤٢)، و «حاشية ابن عابدين» (٤/ ١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>