للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا النَّبيُّ كانَ يَبعَثَ السَّرايا، ولو كانَ فَرضَ عَينٍ في الأحوالِ كلِّها لكانَ لا يُتوهَّمُ منه القُعودُ عنه في حالٍ، ولا أذِنَ لغيرِه بالتَّخلُّفِ عنه بحالٍ (١).

قالَ الكَمالُ بنُ الهُمامِ : ولو كانَ فَرضَ عَينٍ لاشتَغَل الناسُ كلُّهم به فتعطَّل المَعاشُ على ما لا يَخفى بالزِّراعةِ والجَلبِ بالتِّجارةِ، ويَستلزِمَ ذلك قَطعَ مادةِ الجِهادِ من الكُراعِ -يَعني الخَيلَ- والسِّلاحِ والأقواتِ، فيُؤدِّي إيجابُه على الكلِّ إلى تَركِه للعَجزِ، فلزِمَ أنْ يَجبَ على الكِفايةِ.

ولا يَخفى أنَّ لُزومَ ما ذُكِر إنَّما يَثبُتُ إذا لزِمَ في كَونِه فَرضَ عَينٍ أنْ يَخرجَ الكلُّ من الأمصارِ دُفعةً واحِدةً وليسَ ذلك لازِمًا، بل يَكونُ كالحَجِّ على الكلِّ، ولا يَخرجُ الكلُّ، بل يَلزمُ كلَّ واحِدٍ أنْ يَخرجَ.

ففي مَرةٍ طائِفةٌ، وفي مَرةٍ طائِفةٌ أُخرى وهكذا، وهذا لا يَستلزِمَ تَعطيلَ المَعاشِ؛ فالمُعوَّلُ عليه في ذلك نَصُّ ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ﴾ [النساء: ٩٥] (٢).

وإذا كانَ فَرضًا على الكِفايةِ فلا يَنبَغي للإمامِ أنْ يُخلِّيَ ثَغرًا من الثُّغورِ من جَماعةٍ من الغُزاةِ فيهم غِنًى وكِفايةٌ لقِتالِ العَدوِّ، فإذا قامُوا به سقَطَ عن


(١) «شرح فتح القدير» (٥/ ٤٣٩)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ٩٨)، و «حاشية ابن عابدين» (٤/ ١٢٤)، و «المعونة» (١/ ٦٠١)، و «الكافي» لابن عبد البر (١/ ٢٠٥)، و «روضة الطالبين» (١٠/ ٢٠٨)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٢١٠)، و «كشاف القناع» (٣/ ٣٢)، و «مطالب أولي النهى» (٢/ ٤٩٧)، و «الروض المربع» (٢/ ٣).
(٢) «شرح فتح القدير» (٥/ ٤٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>