للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: لا يَلزمُه؛ لِما رُويَ عن عبدِ اللهِ بنِ حُذافةَ السَّهميِ صاحبِ رَسولِ اللهِ «أنَّ طاغِيةَ الرُّومِ حبَسَه في بيتٍ وجعَلَ معَه خَمرًا مَمزوجًا بماءٍ ولَحمَ خِنزيرٍ مَشويٍّ ثَلاثةَ إيامٍ فلمْ يَأكلْ ولم يَشربْ، حتَّى مالَ رَأسُه مِنْ الجُوعِ والعَطشِ وخَشَوا مَوتَه، فأخرَجُوهُ فقالَ: قد كانَ اللهُ أحَلَّه لي؛ لأني مُضطرٌّ، ولكنْ لم أكُنْ لِأشمِّتَكَ بدِينِ الإسلامِ»، ولأنَّ إباحةَ الأكلِ رُخصةٌ، فلا تَجبُ عليهِ كسائرِ الرُّخصِ، ولأنَّ له غَرضًا في اجتِنابِ النَّجاسةِ والأخذِ بالعَزيمةِ، ورُبما لم تَطبْ نَفسُه بتَناولِ المَيتةِ، وفارَقَ الحَلالَ في الأصلِ مِنْ هذهِ الوُجوهِ.

فصلٌ: وتُباحُ المُحرَّماتُ عندَ الاضطِرارِ إليها في الحَضرِ والسفرِ جَميعًا؛ لأنَّ الآيةَ مُطلَقةٌ غيرُ مُقيَّدةٍ بإحدَى الحالتَينِ، وقولُه: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ [البقرة: ١٧٣] لفظٌ عامٌّ في حقِّ كلِّ مُضطرٍّ، ولأنَّ الاضطِرارَ يَكونُ في الحَضرِ في سَنةِ المَجاعةِ، وسَببُ الإباحةِ الحاجَةُ إلى حِفظِ النَّفسِ عن الهَلاكِ؛ لكَونِ هذهِ المَصلحةِ أعظَمَ مِنْ مَصلحةِ اجتِنابِ النَّجاساتِ والصِّيانةِ عن تَناولِ المُستخبَثاتِ، وهذا المعنَى عامٌّ في الحالتَينِ (١).


(١) «المغني» (٩/ ٣٣٠، ٣٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>