وذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ في رِوايةٍ وبَعضُ المالِكيةِ إلى كَراهةِ أكلِ لُحومِ الجَلالةِ التي تَأكلُ العَذرةَ أو يَكونُ أكثَرُ عَلفِها العَذرةَ مِنْ نَاقةٍ أو شاةٍ أو بَقرةٍ أو دِيكٍ أو دَجاجةٍ؛ للنهيِ الوارِدِ فيها عن النبيِّ ﷺ، والنهيُ الوارِدُ هو على الكَراهةِ دونَ التَّحريمِ؛ لأنَّ النهيَ عنها وارِدٌ لأجلِ ما تَأكلُه مِنْ الأنجاسِ، وهي تَغتذيهِ في كَرشِها، والعَلفُ الطاهِرُ يَنجسُ في الكَرشِ، فساوَى في حُصولِه منه حالَ النَّجسِ، ولأنَّ لُحومَ ما تَرعَى الأنجاسَ نَتنٌ، وأكلُ اللَّحمِ إذا نَتنَ يَحرمُ، وإذا كانَ هكذا فكُلَّما كانَ أكثَرُ غِذائِه رَعيُ الأنجاسِ كانَ أكلُ لَحمِه وشُربُ لَبنِه مَكروهًا.
فأما رُكوبُه فيُكرهُ إذا كانَ عَرِيًّا؛ لنَتنِ عَرَقِه، ولا يُكرهُ إذا كانَ مُوكَّفًا أو مُسرَّجًا، فإنْ كانَ أكثَرُ ما يَغتذيهِ طاهِرًا -وإنِ اغتَذَى في بَعضِها نَجسًا- لم يُكرهْ؛ اعتِبارًا بالأغلَبِ.
قالَ الماوَرديُّ ﵀: ويُختارُ في الجلَّالةِ إذا أُريدَ شُربُ لَبنِها أو أَكلُ لَحمِها أنْ تُحبَسَ عن الأقذارِ بالعَلفِ الطاهِرِ في البَعيرِ أربعَينَ يَومًا، وفي البَقرةِ ثَلاثينَ يَومًا، وفي الشاةِ سَبعةَ أيامٍ، وفي الدَّجاجةِ ثَلاثةَ أيامٍ، وليسَتْ هذه المَقاديرُ تَوقيفًا لا يُزادُ عليهِ ولا يُنْقَصُ منهُ؛ لأنَّ المَقصودَ زَوالُ ما أنتَنَ مِنْ أبدانِها، والأغلَبُ أنها تَزولُ بهذهِ المَقاديرِ، فإنْ زالَتْ بأقَلَّ منها زالَتِ الكَراهةُ، وإنْ لم تَزلْ فيها بَقيَتِ الكَراهةُ حتَّى تَزولَ ممَّا زادَ عليهَا، فإنْ أكَلَ منها قبلَ عَلفِها نظَرَ في رائِحةِ لَحمِها، فإنْ لم يَتغيرْ بأكلِ النَّجاسةِ كانَ حَلالًا، وإنْ تَغيَّرَ بها فإنْ كانَ يَسيرًا لم يَستوعِبْ رائِحةَ تلكَ النَّجاسةِ حَلَّ