للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التسميةَ على عَمدٍ، إنما يَذبحونَ للمَسيحِ، فأما ما سِوى ذلكَ فرُويَتْ عن أحمَدَ الكَراهةُ فيما ذُبحَ لكَنائسِهم وأعيادِهم مُطلقًا، وهو قَولُ مَيمونَ بنِ مَهرانَ؛ لأنه ذُبحَ لغيرِ اللهِ، ورُويَ عن أحمَدَ إباحتُه، وسُئلَ عنه العِرباضُ بنُ سارِيةٍ فقالَ: كُلُوا وأَطعِمُوني، ورُويَ مِثلُ ذلكَ عن أبي أمامةَ الباهِليِّ وأبي مُسلمٍ الخَولانِيِّ، وأكَلَه أبو الدَّرداءِ وجُبيرُ بنُ نُفيرٍ، ورخَّصَ فيه عَمرُو بنُ الأسوَدِ ومَكحولٌ وضَمرةُ بنُ حَبيبٍ؛ لقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٥] وهذا مِنْ طَعامِهم.

قالَ القاضِي: ما ذبَحَه الكِتابيُّ لعِيدِه أو نَجمٍ أو صَنمٍ أو نَبيٍّ فسمَّاهُ على ذَبيحتِه حَرُمَ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [النحل: ١١٥]، وإنْ سَمَّى اللهَ وحْدَه حَلَّ؛ لقَولِ اللهِ تعالَى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١١٨]. لكنَّه يُكرهُ؛ لقَصدِه بقَلبِه الذبحَ لغيرِ اللهِ (١).

وقالَ أيضاً: التَّسميةُ مُشترطةٌ في كلِّ ذابحٍ مع العَمدِ، سواءٌ كانَ مُسلمًا أو كِتابيًّا، فإنْ ترَكَ الكِتابيُّ التَّسميةَ عن عَمدٍ أو ذكَرَ اسمَ غيرِ اللهِ لم تَحلَّ ذَبيحتُه، رُويَ ذلكَ عن عَليٍّ، وبه قالَ النخَعيُّ والشافِعيُّ وحمَّادٌ وإسحاقُ وأصحابُ الرأيِ، وقالَ عَطاءٌ ومُجاهدٌ ومَكحولٌ: إذا ذبَحَ النصرانِيُّ باسمِ المَسيحِ حَلَّ؛ فإنَّ اللهَ تعالَى أحَلَّ لنا ذَبيحتَه وقد عَلِمَ أنه سيَقولُ ذلكَ.

ولنا: قَولُ اللهِ تعالَى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] وقوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [النحل: ١١٥]، والآيةُ أُريدَ بها ما ذَبحوهُ


(١) «المغني» (٩/ ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>