مَنْ هو بعدَ نُزولِ القُرآنِ مُتديِّنٌ بدِينِ أهلِ الكِتابِ؟ أو المُرادُ به مَنْ كانَ آباؤُه قد دَخَلوا في دِينِ أهلِ الكِتابِ قبلَ النَّسخِ والتَّبديلِ؟ على قَولينِ للعُلماءِ.
فالقَولُ الأولُ: هو قَولُ جُمهورُ المُسلمينَ مِنْ السَّلفِ والخَلفِ، وهو مَذهبُ أبي حَنيفةَ ومالِكٍ وأحَدُ القَولينِ في مَذهبِ أحمَدَ، بل هو المَنصوصُ عنهُ صَريحًا.
والثَّاني: قَولُ الشافِعيِّ وطائِفةٍ مِنْ أصحابِ أحمَدَ، وأصلُ هذا القَولِ أنَّ عليًّا وابنَ عبَّاسٍ تَنازعَا في ذَبائحِ بَني تَغلبَ، فقالَ عليٌّ:«لا تُباحُ ذَبائحُهم ولا نِساؤُهم؛ فإنهُم لم يَتمسَّكوا مِنْ النَّصرانيةِ إلا بشُربِ الخَمرِ»، ورُويَ عنه أنه قالَ: «نَغزُوهُم لأنهُم لم يَقومُوا بالشُّروطِ التي شرَطَها عليهِم عُثمانُ، فإنه شرَطَ عليهِم أنْ لا (١) وغيرَ ذلكَ مِنْ الشُّروطِ»، وقالَ ابنُ عبَّاسٍ:«بل تُباحُ؛ لقَولِه تعالَى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ٥١]» وعامَّةُ المُسلمينَ مِنْ الصَّحابةِ وغَيرِهم لم يُحرِّموا ذَبائحَهم، ولا يُعرَفُ ذلكَ إلا عن عَليٍّ وحْدَه، وقد رُويَ معنَى قولِ ابنِ عبَّاسٍ عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ.
فمِن العُلماءِ مَنْ رجَّحَ قَولَ عُمرَ وابنِ عبَّاسٍ، وهو قَولُ الجُمهورِ كأبي حَنيفةَ ومالِكٍ وأحمَدَ في إحدَى الرِّوايتينِ عنه، وصحَّحَها طائِفةٌ مِنْ أصحابِه، بل هي آخِرُ قَوليهِ، بل عامَّةُ المُسلمينَ مِنْ الصَّحابةِ والتابعينَ وتابِعيهِم على هذا القَولِ، وقالَ أبو بَكرٍ الأثرَمُ: ما عَلِمتُ أحَدًا مِنْ