كالمَقطوعةِ الأطرافِ، ولأنه لو انتَهى بها النَّزعُ إلى حَدِّ الإياسِ حلَّتْ ذَكاتُها مع استِقرارِ الحَياةِ، فلذلكَ قُطعَ القَفا، وخالَفَ قطْعَ الحَشوةِ؛ لأنَّ بقاءَ الحَياةِ معَها مُستقِرةً كحَياةِ المَذبوحِ.
والقِسمُ الثالِثُ: أنْ يُشكِلَ حالُها عندَ قَطعِ الحُلقومِ والمَريءِ، هل كانَتْ حَياتُها مُستقِرةً أو غيرَ مُستقِرةٍ؟ ففي إباحةِ أكلِها وَجهانِ:
أحَدُهما: وهو ظاهِرُ قَولِ أبي إسحاقَ المَروزيِّ: أنها غَيرُ مَأكولةٍ؛ لأنَّ الأصلَ الحَظرُ حتَّى تُعلَمَ الإباحةُ.
والوَجهُ الثاني: وهو ظاهِرُ قَولِ أبي عَليٍّ ابنِ أبي هُريرةَ: أنها مَأكولةٌ؛ لأنَّ الأصلَ فيها الحَياةُ حتَّى يُعلَمَ فَواتُها (١).
وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ ﵀: مَسألةٌ: قالَ: (وإذا ذبَحَها مِنْ قَفاها وهو مُخطِئٌ فأتَتِ السِّكينُ على مَوضعِ ذَبحِها وهيَ في الحَياةِ أُكلَتْ).
قالَ القاضي: معنَى الخَطأِ أنْ تَلتويَ الذَّبيحةُ عليهِ فتأتِيَ السكينُ على القَفا؛ لأنها معَ التِوائِها مَعجوزٌ عن ذَبحِها، فسقَطَ اعتِبارُ المَحلِّ كالمُتردِّيةِ في بئرٍ، فأما مع عَدمِ التِوائِها فلا تُباحُ بذلكَ؛ لأنَّ الجَرحَ في القَفا سَببٌ للزُّهوقِ، وهو في غيرِ مَحلِّ الذَّبحِ، فإذا اجتَمعَ مع الذَّبحِ منَعَ حِلَّه كما لو بقَرَ بَطنَها، وقد رُويَ عن أحمَدَ ما يَدلُّ على هذا المعنَى؛ فإنَّ الفَضلَ بنَ زيادٍ قالَ: سألتُ أبا عَبدِ اللهِ عمَّن ذبَحَ في القَفا، قالَ: عامِدًا أو غيرَ عامِدٍ؟ قلتُ: عامِدًا، قالَ: لا تُؤكلُ، فإذا كانَ غيرَ عامِدٍ كأنِ التَوَى عليهِ فلا بأسَ.