للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنا: ما رَوى رافعُ بنُ خَديجٍ قالَ: «كنَّا مع النبيِّ فنَدَّ بَعيرٌ، وكانَ في القَومِ خَيلٌ يَسيرةٌ، فطَلَبوهُ فأعيَاهُم، فأهوَى إليهِ رَجلٌ بسَهمٍ فحبَسَه اللهُ، فقالَ النبيُّ : إنَّ لهذهِ البَهائمِ أوابِدَ كأوابِدِ الوَحشِ، فما غلَبَكم منها فاصنَعُوا به هَكذا»، وفي لفظٍ: «فما نَدَّ عَليكُم فاصنَعُوا به هكَذا» مُتفَقٌ عليهِ، «وحرن ثَورٌ في بَعضِ دُورِ الأنصارِ فضرَبَه رَجلٌ بالسَّيفِ وذكَرَ اسمَ اللهِ عليهِ، فسُئلَ عنه عليٌّ فقالَ: «ذَكاةٌ وَحِيَّةٌ» فأمَرَهم بأكلِه»، و «ترَدَّى بَعيرٌ في بِئرٍ فذُكِّيَ مِنْ قِبلِ شاكِلَتِه فبِيعَ بعِشرينَ دِرهمًا، فأخَذَ ابنُ عُمرَ عُشرَه بدِرهَمينِ»، ولأنَّ الاعتِبارَ في الذَّكاةِ بحالِ الحيَوانِ وقتَ ذَبحِه، لا بأصلِه؛ بدَليلِ الوَحشيِّ إذا قُدرَ عليهِ وجَبَتْ تَذكيتُه في الحَلقِ واللبَّةِ، وكذلكَ الأهليُّ إذا تَوحشَ يُعتبَرُ بحالِه، وبهذا فارَقَ ما ذَكروهُ، فإذا تَردَّى فلم يُقدرْ على تَذكيتِه فهو مَعجوزٌ عن تَذكيتِه، فأشبَهَ الوَحشيَّ، فأمَّا إنْ كانَ رأسُ المُتَردِّي في الماءِ لم يُبَحْ؛ لأنَّ الماءَ يُعِينُ على قتلِه، فيَحصلُ قَتلُه بمُبيحٍ وحاظِرٍ، فيَحرمُ كما لو جرَحَه مُسلمٌ ومَجوسيٌّ (١).

وقالَ الوَزيرُ ابنُ هُبيرةَ : واختَلفُوا في الحيَوانِ الأهليِّ إذا تَوحشَ، وكذلكَ اختَلفُوا إذا وقَعَ بعيرٌ أو بَقرةٌ أو شاةٌ في بئرٍ فلمْ يُقدرْ عليهِ إلا بأنْ يُطعَنَ في سَنامِه أو غيرِه، هل يَنتقلُ ذَكاتُه مِنْ الذَّبحِ والنَّحرِ إلى العَقرِ؟

فقالَ أبو حَنيفةَ والشافِعيُّ وأحمَدُ: تَنتقلُ ذَكاتُه في ذلكَ كلِّه إلى العَقرِ.

ومِن أصحابِ أبي حَنيفةَ مَنْ قالَ: لا بُدَّ مِنْ أنْ يَرميَه بجُرحٍ يُعلَمُ أنه ماتَ منهُ، وإلا فلا يَحلُّ.


(١) «المغني» (٩/ ٣١٠، ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>