للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا إذا تَردَّى البَعيرُ أو البَقرةُ أو الشاةُ في بِئرٍ ولم يُقدرْ على إخراجِه ولا على تَذكيتِه في حَلقِه أو لَبَّتِه لم يُؤكلْ بعَقرِه في مَوضعٍ مِنْ بَدنِه؛ لقَولِه : «إنما الذَّكاةُ في الحَلقِ واللبَّةِ»، ولأنَّ تَعذُّرَ الوصولِ إلى مَوضعِ الذكاةِ في المَقدورِ عليهِ لا يُبيحُ تَذكيتَه في غيرِه، كتعذُّرِ الوُصولِ إلى ما يُذكَّى فيه أنه لا يُبيحُ التذكِيةَ بغيرِه (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ وابنُ عبدِ البَرِّ مِنْ المالِكيةِ إلى أنه يَجوزُ قَتلُ البَعيرِ الشارِدِ، وكذا كلُّ حَيوانٍ استَوحشَ، ويَحلُّ أكلُه؛ لِما رَواهُ رافِع بن خَديجٍ قالَ: «كنَّا مع النبيِّ في سَفرٍ فنَدَّ بَعيرٌ مِنْ الإبلِ، قالَ: فرَماهُ رَجلٌ بسَهمٍ فحَبَسَه، قالَ: ثمَّ قالَ: إنَّ لها أوابِدَ كأوابِدِ الوَحشِ، فما غلَبَكُم منها فاصْنَعوا به هكذا، قالَ: قلتُ: يا رَسولَ اللهِ إنا نَكونُ في المغازِي والأسفارِ فنُريدُ أنْ نَذبحَ فلا تَكونُ مُدًى، قالَ: أَرِنْ، ما نهَرَ -أو أنهَرَ- الدَّمَ وذُكِرَ اسمُ اللهِ فكُلْ، غيرَ السِّنِّ والظُّفرِ، فإنَّ السِّنَّ عَظمٌ والظُّفرَ مُدَى الحَبَشةِ» (٢).

قالَ الإمامُ ابنُ عبدِ البَرِّ : مالِكٌ أنه بلَغَه أنَّ سَعيدَ بنَ المُسيِّبِ كانَ يَكرهُ أنْ تُقتلَ الإنسِيةُ بما يُقتلُ به الصَّيدُ مِنْ الرميِ وأشباهِه.


(١) «الاستذكار» (٥/ ٢٦٨، ٢٦٩)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٤/ ٣٥٢، ٣٥٤)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٢٠٩)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٩)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٢/ ٣٥٩)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٣٠٥).
(٢) أخرجه البخاري (٥٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>