وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ ﵀: يُشترطُ في الصَّيدِ بالبازِي ما يُشترطُ في الصَّيدِ بالكَلبِ، إلا ترْكَ الأكلِ فلا يُشتَرطُ، ويُباحُ صَيدُه وإنْ أكَلَ منه، وبهذا قالَ ابنُ عبَّاسٍ، وإليه ذهَبَ النَّخعيُّ وحمَّادٌ والثَّوريُّ وأبو حَنيفةَ وأصحابُه، ونَصَّ الشافِعيُّ على أنه كالكَلبِ في تَحريمِ ما أكَلَ منهُ مِنْ صَيدِه؛ لأنَّ مُجالدًا روَى عن الشَّعبيِّ عن عَديِّ بنِ حاتمٍ عن النبيِّ ﷺ:«فإنْ أكَلَ الكَلبُ والبازِي فلا تَأكلْ»، ولأنه جارِحٌ أكَلَ ممَّا صادَه عَقيبَ قَتلِه، فأشبَهَ سِباعَ البَهائمِ.
ولنَا: إجماعُ الصَّحابةِ، روَى الخلَّالُ بإسنادِه عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ:«إذا أكَلَ الكَلبُ فلا تَأكلْ مِنْ الصَّيدِ، وإذا أكَلَ الصَّقرُ فكُلْ؛ لأنكَ تَستطيعُ أنْ تَضربَ الكَلبَ ولا تَستطيعُ أنْ تَضربَ الصَّقرَ»، وقد ذكَرْنا عن أربَعةٍ مِنْ الصَّحابةٍ إباحَةَ ما أكَلَ منه الكَلبُ، وخالَفَهُم ابنُ عبَّاسٍ فيه ووافَقَهُم في الصَّقرِ، ولم يُنقَلْ عن أحَدٍ في عَصرِهم خِلافُهم، ولأنَّ جَوارحَ الطَّيرِ تُعلَّمُ بالأكلِ، ويَتعذَّرُ تَعليمُها بتَركِ الأكلِ، فلمْ يَقدحْ في تَعليمِها، بخِلافِ الكَلبِ والفَهدِ.
وأمَّا الخبَرُ فلا يَصحَّ، يَرويهِ مُجالدٌ وهو ضَعيفٌ، قالَ أحمَدُ: مُجالِدُ يُصيِّرُ القِصةَ واحدةً، كمْ مِنْ أُعجُوبةٍ لمُجالدٍ، والرِّواياتُ الصَّحيحةُ تُخالِفُه، ولا يَصحُّ قِياسُ الطيرِ على السِّباعِ؛ لِمَا بينَهُما مِنْ الفَرقِ.
فإذا ثبَتَ هذا فكُلُّ جارِحٍ مِنْ الطَّيرِ أمكَنَ تَعليمُه والاصطِيادُ به مِنْ البازِي والصَّقرِ والشاهِينِ والعُقابِ حَلَّ صَيدُها على ما ذكَرْناهُ (١).