وذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ إلى أنَّ الذكاةَ تَجوزُ بالسِّنِّ والظُّفرِ المَنزوعَينِ، فأما إنْ كانَا غيرَ مَنزوعَينِ فإنهُ لا يَجوزُ ذلكَ؛ لأنه يَصيرُ خَنقًا، وفي ذلكَ ورَدَ النهيُ، وكذلكَ قالَ ابنُ عبَّاسٍ:«ذلكَ الخَنقُ»؛ لأنَّ ما ذبَحَ به إنما يَذبحُ بكَفٍّ لا بغَيرِها، فهو مَخنوقٌ، وكذلكَ ما نُهيَ عنه مِنْ السِّنِّ إنما هو المُركَّبةُ؛ لأنَّ ذلكَ يكونُ عَضًّا، فأما إنْ كانَا مَنزوعَينِ وفَرَيَا الأوداجَ فجائزٌ الذَّكاةُ بهِما؛ لأنَّ في حُكمِ الحَجرِ كلُّ ما قطَعَ ولمْ يشردْ، وإذا جازَتِ التَّذكيةُ بغيرِ الحَديدِ جازَتْ بكلِّ شَيءٍ في مَعناهُ.
قالَ أبو بكرٍ الجصَّاصُ ﵀: الظُّفرُ والسِّنُّ المَنهيُّ عن الذَّبيحةِ بهما إذا كانَتَا قائمَتَينِ في صاحِبِهما؛ وذلكَ لأنَّ النبيَّ ﷺ قالَ في الظُّفرِ:«إنها مُدَى الحَبشةِ»، وهُم إنما يَذبحونَ بالظُّفرِ القائمِ في مَوضعِه غيرِ المَنزوعِ، وقالَ ابنُ عبَّاسٍ:«ذلكَ الخَنقُ»، وعن أبي بِشرٍ قالَ: سألتُ عِكرمةَ عن الذَّبيحةِ بالمَرْوةِ قالَ: «إذا كانَتْ حَديدةً لا تُتردُّ الأوداجَ فكُلْ»، فشرَطَ في ذلكَ أنْ لا تَتردَّ الأوداجُ وهو ألَّا تَفرِيها، ولكنَّه يَقطعُها قِطعةً قِطعةً، والذَّبحُ بالظُّفرِ والسِّنِّ غيرِ المَنزوعِ يَتردُّ ولا يَفرِي، فلذلكَ لم تَصحَّ الذَّكاةُ بهما، وأما إذا كانَا مَنزوعَينِ ففَرَيَا الأوداجَ فلا بأسَ، وإنما كَرهَ أصحابُنا منها ما كانَ بمَنزلةِ السِّكينِ الكَلَالةِ، ولهذا المَعنَى كَرِهوا الذَّبحَ بالقَرنِ والعَظمِ (١).
(١) «أحكام القرآن» (٣/ ٣٠٢، ٣٠٣)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٢٠٨، ٢٠٩)، و «شرح صحيح البخاري» (٥/ ٤١١).