وقالَ الحَنابلةُ: كلُّ صَيدِ البَحرِ مُباحٌ إلا الضُّفدعَ، ورُويَ عن أبي بَكرٍ الصدِّيقِ ﵁ أنه قالَ في كُلِّ ما في البَحرِ «قد ذكَّاهُ اللهُ لكُم»، وعُمومُ قَولِه تعالَى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ﴾ [المائدة: ٩٦] يَدلُّ على إباحةِ جَميعِ صَيدِه، ورَوى عَطاءٌ وعَمرُو بنُ دِينارٍ أنهُما بلَغَهُما عن النبيِّ ﷺ أنه قالَ:«إنَّ اللهَ ذبَحَ كُلَّ شَيءٍ في البَحرِ لابنِ آدَمَ».
فأمَّا الضُّفدعُ «فإنَّ النبيَّ ﷺ نهَى عن قَتلِه»(١)، فيَدلُّ ذلكَ على تَحريمِه، قالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: فأما التِّمساحُ فقدْ نُقلَ عنه ما يَدلُّ على أنه لا يُؤكلُ، وقالَ الأوزاعيُّ: لا بأسَ به لمَن اشتَهاهُ، وقالَ ابنُ حامِدٍ: لا يُؤكلُ التِّمساحُ ولا الكَوسَجُ؛ لأنهُما يَأكلانِ النَّاسَ، وقد رُويَ عن إبراهيمَ النخَعيِّ وغيرِه أنه قالَ: كانُوا يَكرهونَ سِباعَ البَحرِ كما يَكرهونَ سِباعَ البَرِّ؛ وذلكَ «لنَهيِ النبيِّ ﷺ عن كُلِّ ذِي نابٍ مِنْ السِّباعِ».
وقالَ أبو عليٍّ النجَّادُ: ما حَرُمَ نَظيرُه في البَرِّ فهو حَرامٌ في البَحرِ ككَلبِ الماءِ وخِنزيرِه وإنسانِه …
وكَلبُ الماءِ مُباحٌ، ورَكِبَ الحَسنُ بنُ عليٍّ ﵁ سرجًا عليهِ جِلدٌ مِنْ جُلودِ كِلابِ الماءِ، وهذا قولُ مالكٍ والشافِعيِّ والليثِ، ويَقتضيهِ قولُ الشعبيِّ والأوزاعيِّ، ولا يُباحُ عندَ أبي حَنيفةَ، وهو قولُ أبي عَليٍّ النجَّادِ وبعضِ أصحابِ الشافِعيِّ.
ولنا: عُمومُ الآيةِ والخبَرِ، قالَ عبدُ اللهِ: «سألتُ أبي عن كَلبِ الماءِ
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٥٢٦٩)، وأحمد (١٥٧٩٥).