للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنفيةُ: يَكونُ الغُلامُ عندَ أمِّه أو جدَّتِه حتى يَستغنيَ فيَأكلَ وحْدَه ويَشربَ وحْدَه ويَلبسَ وحْدَه ويَستنجيَ وحْدَه؛ لأنه إذا استَغنَى يَحتاجُ إلى التأدُّبِ والتخلُّقِ بآدابِ الرِّجالِ وأخلاقِهم، والأبُ أقدَرُ على التأديبِ والتثقيفِ.

والأمُّ والجدَّةُ أحَقُّ بالجارِيةِ حتى تَبلغَ؛ لأنَّ بعدَ الاستغناءِ تَحتاجُ إلى مَعرفةِ آدابِ النِّساءِ، والمَرأةُ على ذلكَ أقدَرُ، وبعدَ البلوغِ تَحتاجُ إلى التَّحصينِ والحِفظِ، والأبُ فيه أقوَى وأهدَى.

وعن مُحمدٍ أنها تُدفَعُ إلى الأبِ إذا بلَغَتْ حَدَّ الشَّهوةِ؛ لتحقُّقِ الحاجةِ إلى الصيانةِ.

ومَن سِوَى الأمِّ والجدَّةِ أحقُّ بالجارِيةِ حتى تَبلغَ حَدًّا تُشتهَى؛ لأنَّ حَقَّ هَؤلاءِ لا يُستحقُّ بالوِلادةِ، وإنما يَثبتُ لهُم ما دامَ الصغيرُ يَحتاجُ إلى الحَضانةِ، فإذا استَغنَى عنها زالَ ذلكَ المَعنَى (١).

واستَدلَّ الحَنفيةُ والمالِكيةُ على عَدمِ التَّخييرِ بما رواه عَمرُو بنُ شُعيبٍ عن أبيه عن جَدِّه عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو «أنَّ امرَأةً قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ إنَّ ابني هذا كانَ بَطني له وِعاءً وثَديِي له سِقاءً وحَجرِي له حوَاءً، وإنَّ أباهُ طَلَّقني وأرادَ أنْ يَنتزعَه مِنِّي، فقالَ لها رَسولُ اللهِ : «أنتِ أحَقُّ بهِ ما لم تَنكحِي» (٢)، ولم يُخيِّرْه النبيُّ ، ولأنَّ تَخييرَ الصبيِّ ليسَ بحِكمةٍ؛ لأنه لغَلبةِ


(١) «الهداية» (٢/ ٣٨)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٧٧، ٧٩)، و «تبيين الحقائق» (٣/ ٤٨)، و «العناية» (٦/ ١٨٥، ١٨٦).
(٢) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه أبو داود (٢٢٧٦)، وأحمد (٦٧٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>