قيلَ: يَردُّ هذا أنه سُبحانَه أمَرَ به وسمَّاهُ حقًّا وأضافَه إليه بقَولِه: «حَقَّه»، وأخبَرَ النبيُّ ﷺ بأنه حَقٌّ وأنه واجِبٌ، وبعضُ هذا يُنادِي على الوُجوبِ جِهارًا.
فإنْ قيلَ: المُرادُ بحَقِّه تَركُ قَطيعتِه.
فالجَوابُ مِنْ وَجهينِ:
أحَدُهما: أنْ يُقالَ: فأيُّ قَطيعةٍ أعظَمُ مِنْ أنْ يَراهَ يَتلظَّى جُوعًا وعَطشًا ويَتأذَّى غايةَ الأذَى بالحَرِّ والبَردِّ، ولا يُطعمُه لُقمةً ولا يَسقيهِ جَرعةً، ولا يَكسوهُ ما يَستُرُ عَورتَه ويَقيهِ الحَرَّ والبَردَ ويُسكنُه تحتَ سَقفٍ يُظِلِّه، هذا وهو أخوه ابنُ أمِّه وأبيهِ، أو عمُّه صِنوُ أبيهِ، أو خالَتُه التي هي أمُّه، إنَّما يَجبُ عَليهِ مِنْ ذلكَ ما يَجبُ بَذلُه للأجنَبيِّ البَعيدِ، بأنْ يُعاوِضَه على ذلكَ في الذِّمةِ إلى أنْ يُوسِرَ ثم يَسترجعَ به عليه، وهذا معَ كَونِه في غايةِ اليَسارِ والجِدَةِ وسَعةِ الأموالِ، فإنْ لم تَكنْ هذه قَطيعةً فإنا لا نَدرِي ما هي القَطيعةُ المُحرَّمةُ والصِّلةُ التي أمَرَ اللهُ بها وحرَّمَ الجَنةَ على قاطِعِها.
الوَجهُ الثَّاني: أنْ يقالَ: فما هذهِ الصِّلةُ الواجِبةُ التي نادَتْ عليها النُّصوصُ وبالغَتْ في إيجابِها وذمَّتْ قاطِعَها، فأيُّ قَدرٍ زائِدٍ فيها على حَقِّ الأجنَبيِّ حتى تَعقلَه القُلوبُ وتُخبِرَ به الألسِنةُ وتَعملَ به الجَوارحُ؟! أهوَ السَّلامُ عليهِ إذا لَقيَه وعِيادتُه إذا مَرِضَ وتَشميتُه إذا عطَسَ وإجابتُه إذا دَعاهُ؟! وإنَّكم لا تُوجِبونَ شَيئًا مِنْ ذلكَ إلا ما يَجبُ نَظيرُه للأجنَبيِّ على