للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ بعدَ قَولِه تعالَى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ [النور: ٢٢]: وفي الآيَةِ دَلالةٌ على وُجوبِ الصِّلةِ والنَّفقةِ وغيرِها لذَوي الأرحامِ الذينَ لا يَرثونَ بفَرضٍ ولا تَعصيبٍ، فإنَّه قد ثبَتَ في الصَّحيحِ عن عائِشةَ في قصَّةِ الإفكِ أنَّ أبا بَكرٍ الصدِّيقَ حلَفَ أنْ لا يُنفِقَ على مِسطَحِ بنِ أثاثَةَ وكانَ أحَدَ الخائضِينَ في الإفكِ في شَأنِ عائِشةَ، وكانَتْ أمُّ مِسطحٍ بنتَ خالةِ أبي بَكرٍ، وقد جعَلَه اللهُ مِنْ ذَوِي القُربى الذينَ نهَى عن تَركِ إيتائِهم، والنَّهيُ يَقتضِى التحريمَ، فإذا لم يَجُزِ الحَلفُ على تركِ الفعلِ كانَ الفعلُ واجِبًا؛ لأنَّ الحَلفَ على تَركِ الجائزِ جائزٌ (١).

ونصَرَ القَولَ بوُجوبِ النَّفقةِ على ذَوِي الأرحامِ ابنُ القيِّمِ ، حيثُ قالَ: فالنَّفقةُ تُستحَقُّ بشَيئينِ: بالمِيراثِ بكِتابِ اللهِ، وبالرَّحمِ بسُنةِ رَسولِ اللهِ ، وقد تقدَّمَ أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ حبَسَ عَصَبةَ صَبيٍّ أنْ يُنفِقوا عليهِ وكانوا بَنِي عمِّه، وتقدَّمَ قَولُ زَيدِ بنِ ثابتٍ: إذا كانَ عَمٌّ وأمٌّ فعَلى العمِّ بقَدرِ ميراثِه وعلى الأمِّ بقَدرِ ميراثِها، فإنه لا مُخالِفَ لهُما في الصَّحابةِ ألبتَّةَ، وهو قَولُ جُمهورِ السَّلفِ، وعليهِ يَدلُّ قولُه تعالَى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ [الإسراء: ٢٦]، وقولُه تعالَى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى﴾ [النساء: ٣٦]، وقد أوجَبَ النبيُّ العَطيةَ للأقارِبِ وصرَّحَ بأنسابِهم فقالَ: «وأختَكَ وأخاكَ ثمَّ أدناكَ فأدناكَ، حقٌّ واجِبٌ ورَحمٌ مَوصولةٌ».


(١) «مجموع الفتاوى» (١٥/ ٣٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>