أمَّا شَيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ ﵀ فقد قالَ:
صَلاةُ التَّطوُّعِ في جَماعةٍ على نَوعَينِ:
أحَدُهُما: ما تُسَنُّ له الجَماعةُ الرَّاتبَةُ، كالكُسوفِ والاستِسقاءِ وقِيامِ رَمضانَ؛ فهذا يُفعَلُ في الجَماعةِ دائِمًا، كما مَضَت به السُّنةُ.
والآخَرُ: ما لا تُسَنُّ له الجَماعةُ الرَّاتبةُ، كقِيامِ اللَّيلِ والسُّننِ الرَّواتِبِ وصَلاةِ الضُّحَى وتَحيَّةِ المَسجدِ ونحوِ ذلك، فهذا إذا فُعِلَ جَماعةً أحيانًا جازَ، وأمَّا الجَماعةُ الرَّاتبةُ في ذلك فغيرُ مَشروعةٍ، بل بِدعةٌ مَكروهةٌ؛ فإنَّ النَّبيَّ ﷺ والصَّحابةَ والتَّابِعينَ لم يَكونوا يَعتادونَ الاجتِماعَ لِلرَّواتِبِ على ما دونَ هذا، والنَّبيُّ إنَّما تطوَّعَ في ذلك في جَماعةٍ قَليلةٍ أحيانًا، فإنَّه كانَ يَقومُ اللَّيلَ وَحدَه، لكِن لمَّا باتَ ابنُ عبَّاسٍ عندَهُ صلَّى معه، وفي لَيلةٍ أُخرَى صلَّى معه حُذَيفةُ، وفي لَيلةٍ أُخرى صلَّى ابنُ مَسعودٍ، وكذلكَ صلَّى عندَ عِتبانَ بنِ مالِكٍ الأنصاريِّ في مَكانٍ يَتَّخِذُهُ مُصلًّى معهُ، وكَذلكَ صلَّى بأنَسٍ وأُمِّهِ واليَتيمِ. وعامَّةُ تَطوُّعاتِه ﷺ إنَّما كانَ يُصلِّيهَا مُفرِدًا، وهذا الذي ذكَرناهُ في التَّطوُّعاتِ المَسنونةِ، فأمَّا إنشاءُ صَلاةٍ بعددٍ مُقدَّرٍ وقِراءةٍ مُقدَّرةٍ في وَقتٍ مُعَيَّنٍ تُصلَّى جَماعةً رَاتِبةً، كصَلاةِ الرَّغائِبِ في أوَّلِ جمُعةٍ من رَجبٍ، والألفيَّةِ في أوَّلِ رَجبٍ، وأمثالِ ذلكَ، فهذا غيرُ مَشروعٍ باتِّفاقِ أئِمَّةِ الإسلامِ، كما نصَّ على ذلك العُلماءُ المُعتبَرونَ، ولا يُنْشِئُ مِثلُ هذا إلا جاهِلٌ مُبتَدِعٌ، وفَتحُ مِثلِ هذا البابِ يُوجِبُ تَغييرَ شَرائِعِ الإسلامِ، وأخذَ نَصيبٍ من حالِ الذينَ شَرَعوا مِنْ الدِّينِ ما لم يَأذَن بهِ اللهُ، واللهُ أعلَمُ (١).
(١) «مجموع الفتاوى» (٢٣/ ٤١٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute