وهو مَليءٌ تَرجعُ عليهِ أو وهوَ مُعسِرٌ لا تَرجعٌ عليهِ؟ للفُقهاءِ في ذلكَ ثَلاثةُ أقولٍ.
فذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّ الزوجَ إذا لم يُنفِقْ على زَوجتِه مُدةً مِنْ الزَّمنِ وطالَبَتْهُ بما أنفَقَتْ على نَفسِها مِنْ مالِها أو ما استَدانتْه فلا شيءَ لها، إلَّا أنْ يكونَ القاضي فرَضَ لها النَّفقةَ، أو صالحَتِ الزَّوجَ على مِقدارِها، فيَقضي لها بنَفقةِ ما مضى؛ لأنَّ النَّفقةَ صِلَةٌ وليسَتْ بعِوضٍ، فلا يَستحكمُ الوُجوبُ فيها إلَّا بالقضاءِ؛ لأنها نَفقةٌ تَجبُ يَومًا فيَومًا، فسقَطَ بتَأخيرِها إذا لم يَفرضْها الحاكمُ كنَفقةِ الأقاربِ، ولأنَّ نَفقةَ الماضي قد استُغنيَ عنها بمُضيِّ وَقتِها، فتَسقطُ كنَفقةِ الأقاربِ.
أمَّا إذا فرَضَ القاضي لها النَّفقةَ فلم يُنفِقْ عليها حتَّى مضَتْ مُدةٌ كانَ لها المُطالَبةُ بذلكَ؛ لأنها تَصيرُ دَينًا في ذِمتِه، وكذا إذا فرَضَها الزوجُ على نَفسِه باصطِلاحِها؛ لأنَّ فرْضَه آكَدُ مِنْ فَرضِ الحاكِمِ؛ لأنَّ وِلايتَه على نَفسِه أقوَى مِنْ وِلايةِ القاضِي عليه، وإذا صارَتْ دَينًا بالقَضاءِ أو بالاصطِلاحِ لم تَسقطْ بطُولِ الزمانِ، إلا إذا ماتَ أحدُهُما أو وقَعَتِ الفُرقةُ حِينئذٍ تَسقطُ.
فإذا ماتَ الزوجُ بعدَما قضَى عليهِ بالنَّفقةِ أو مضَتْ شُهورٌ سقَطَتْ، وكذا إذا ماتَتْ الزوجةُ؛ لأنَّ النَّفقةَ صِلَةٌ، والصِّلةُ تَبطلُ بالموتِ، كالهِبةِ تَبطلُ بالمَوتِ قبلَ القَبضِ.
ولو أبرَأتْ زوْجَها مِنْ نَفقتِها في الأوقاتِ المُستقبَلةِ لم تَصحَّ البَراءةُ؛ لأنَّها بَراءةٌ عمَّا سيَجبُ، فلا يَصحُّ.